المنشورات

لأبي تمام في غلام وحمار:

أبو سويد قال: كان لحبيب بن أوس حمار حصان، وغلام مؤنّث، فإذا نزل أخذ الحمار ينهق والغلام يمجن في كلامه؛ فقلنا له: إنما أنت فضيحة، فهل قلت فيهما شيئا؟ قال:
لي حمار وغلام ... وهما مختلفان
أير ذا ينعظ للنّي ... ك وذا رخو العنان
لو بهذا عفّ هذا ... لاستراح الثّقلان
محمد بن الحجاج البزّاز- وكان راوية بشار- قال: قال بشار ذات يوم، وهو يعبث، وكان مات له حمار قبل ذلك، قال: رأيت حماري البارحة في النوم، فقلت له: ويلك! مالك متّ؟ قال: إنك ركبتني يوم كذا وكذا، فمررنا على باب الأصبهاني، فرأيت أتانا «1» عند بابه، فعشقتها فمت! وأنشد:
سيّدي خذ لي أمانا ... من أتان الأصبهاني
إنّ بالباب أتانا ... فضلت كلّ أتان
تيّمتني يوم رحنا ... بثناياها الحسان
وبغنج ودلال ... سلّ جسمي وبراني
ولها خدّ أسيل ... مثل خدّ الشيقران
فبها متّ ولو عش ... ت إذا طال هواني!
فقال له رجل من القوم: يا أبا معاذ، ما الشيقران؟ قال: هو شيء يتحدّث به الحمير. فإذا لقيت حمارا فاسأله.
وقيل لأعرابي وهو واقف على ركيّة «2» مالحة: كيف هذا الماء؟ قال: يخطيء القلب، ويصيب الاست.
وأخذ رجل شرب، فأتى به الوالي فقال: استنكهوه. فقالوا: إن نكهته لا تبين عنه. قال: فقيئوه. فقال الشارب: فإن لم أقيء شرابا فمن يضمن لي عشائي؟
رافق أعرابي أعرابيا في سفر فقال: أنا واللَّه أشتهي كشكيّة «3» . ومدّ بها صوته فضرط، فقال له صاحبه: ما نفختك يا بن عمّ! أبو الخطاب قال: كان عندنا رجل أحدب فسقط في بئر فذهبت حدبته وصار آدر، فدخلوا ليهنئوه، فقال: الذي جاء شرّ من الذي ذهب.
أبو حاتم قال: رمي رجل أعور بنشابة، فأصابت عينه الصحيحة، فقال: أمسينا وأمسى الملك للَّه.
وقال رجل للجماز: ولدت امرأتي لستة أشهر. فقال: لقد كان إناؤها ضاريا.
قالوا: أتي الحجاج بسفط قد أصيب في بعض خزائن كسرى، مقفل؛ فأمر بالقفل فكسر، فإذا فيه سفط «1» آخر مقفل؛ فقال الحجاج: من يشتري مني هذا السفط بما فيه؟ فتزايد فيه أصحابه، حتى بلغ خمسة آلاف دينار، فأخذه الحجاج ونظر فيه فقال: ما عسى أن يكون فيه إلا حماقة من حماقات العجم! ثم أنفذ البيع وعزم على المشتري أن يفتحه ويريه ما فيه؛ ففتحه بين يديه، فإذا فيه رقعة مكتوب فيها: من أراد أن تطول لحيته فليمشطها من أسفل.
الزبير بن بكار قال: جاءت امرأة إلى ابن الزبير تستعدي على زوجها وتزعم أنه يصيب جاريتها؛ فأمر به فأحضر، فسأله عما ادعت، فقال: هي سوداء وجاريتها سوداء، وفي بصري ضعف، ويضرب الليل برواقه «2» ، فأنا آخذ من دنا مني.
قال: وخطب رجل خطبة نكاح وأعرابي حاضر، فقال: الحمد للَّه، أحمده وأستعينه وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. حي على الصلاة، حي على الفلاح. فقال الأعرابي: لا تقم الصلاة، فإني على غير وضوء.
وقال: سمعت أبا موسى عيسى الضّمريّ يقول: دخلت الحمام فإذا بأعمى قد ركب أعمى؛ فقال له: ما هذا؟ قال: ظلمات بعضها فوق بعض.
قال العوّام بن حوشب: قال لي عيسى بن موسى: من أرضعتك؟ قلت: ما أرضعني إلا أمي. قال: قد علمت أن ذلك الوجه القبيح لا يصبر عليه سوى أمّك.
وكان رجل مقيت «3» قد تنسّك وتشبه بالحسن البصري، فشهد جنازة، فوقف على القبر وإلى جانبه رجل مليح، فضحك، فقال له الناسك: ما أعددت لهذه الحفرة يا فلان؟ قال: قذفك فيها الساعة.
ودخل أعرابي الحمام فضرط، فقال نبطيّ كان في الحمام: صبحان اللَّه. فقال له الأعرابي: يا بن اللخناء، ضرطتي أفصح من تسبيحك.
وقيل لأعرابي: مالك لا تجاهد؟ قال: واللَّه إني أبغض الموت على فراشي، فكيف أسعى إليه ركضا.













مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید