المنشورات

السندي بن شاهك والحجام:

السندي بن شاهك قال: بعث إليّ المأمون بريدا وأنا بخراسان، فطويت المراحل حتى أتيت باب أمير المؤمنين وقد هاج بي الدم، فوجدته نائما، فأعلمت الحاجب بقصتي وقدّمت إليه عذري وما هاج بي من الدم، وانصرفت إلى منزلي فقلت:
أحضروا إليّ الحجّام. قالوا: هو محموم. قلت: فهاتوا حجاما غيره ولا يكون فضوليا. فأتوني به، فما هو إلا أن دارت يده على وجهي حتى قال: جعلت فداك! هذا وجه لا أعرفه، فمن أنت؟ قلت: السندي بن شاهك. قال: ومن أين قدمت، فإني أرى أثر السفر عليك؟ قلت: من خراسان. قال: وأيّ شيء أقدمك؟ قلت:
وجه إليّ أمير المؤمنين بريدا ... ولكن إذا فرغت فسأخبرك بالقصة على وجهها.
قال: وتعرّفني بالمنازل والسكك التي جئت عليها؟ قلت: نعم.
قال: فما هو إلا أن فرغ حتى دخل رسول اللَّه أمير المؤمنين ومعه كركي «1» ، فقال: إن أمير المؤمنين يقرئك السلام وهو يعذرك فيما هاج بك من الدم، وقد أمرك بالتخلف في منزلك إلى أن تغدو عليه إن شاء اللَّه، ويقول: ما أهدي إلينا اليوم غير هذا الكركي. فشأنك به. قال: فالتفت السندي إلى جلسائه فقال: ما يضع بهذا الكركي؟ فقال الحجام: يطبخ سكباجا «2» . قال السندي: يصنع كما قال. وحلف على الحجام الّا يبرح؛ فحضر الغذاء فتغدّينا وهو ينظر، ثم قدّم الشراب، فلما دارت الأقدام قلت: يعلّق الحجام من العقبين»
! ثم قلت: جعلت فداك! سألني عن المنازل والسكك «4» التي قدمت عليها وأنا مشغول في ذلك الوقت؛ وأنا أقصها عليك [الآن] فاستمع: خرجت من خراسان وقت كذا، فنزلت كذا ... يا غلام، اضرب! فضربه عشرة أسواط؛ ثم قلت: وخرجت منه إلى مكان كذا ... يا غلام، أوجع! فضربه عشرة أسواط أخرى؛ ولم يزل يضربه لكل سكة عشرة، حتى انتهى إلى سبعين سوطا فالتفت إليّ الحجام وقال: يا سيدي، سألتك باللَّه، إلى أين تريد أن تبلغ؟ قلت: إلى بغداد. قال: لست تبلغ حتى تقتلني. قلت: فأتركك على ألّا تعود؟ قال: واللَّه لا أعود أبدا. قال: فتركته، وأمرت له بسبعين درهما: فلما دخلت على المأمون أخبرته الخبر؛ فقال: وددت أنك بلغت به إلى أن تأتي على نفسه.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید