المنشورات

فتى من بني حنيفة وجارية

قال هشام بن الكلبي والهيثم بن عدي: إن ناسا من بني حنيفة خرجوا يتنزهون إلى جبل لهم، فرأى فتى منهم في طريقه جارية، فرمقها وقال لأصحابه: لا أنصرف واللَّه حتى أرسل إليها وأخبرها بحبي لها! فطلبوا إليه أن يكف فأبى، وأقبل يراسل الجارية؛ وتمكن حبها من قلبه، فانصرف أصحابه وأقام الفتى في ذلك الجبل، فمضى إليها ليلة متقلدا سيفا وهي بين أخوين لها نائمة، فأيقظها؛ فقالت: انصرف لئلا ينتبه أخواي فيقتلاك! فقال: الموت أهون واللَّه مما أنا فيه، ولكن أعطيني يدك أضعها على قلبي وأنصرف! فأعطته يدها، فوضعها على قلبه وانصرف؛ فلما كانت الليلة الثانية، أتاها وهي على مثل تلك الحال، فأيقظها، فقالت له مثل مقالها الأوّل، فقال:
لك اللَّه إن أمكنتني من شفتيك أرشفهما أن أنصرف! فأمكنته فرشفهما ثم انصرف؛ فوقع في قلبها من حبه مثل ما كان به ...
وفشا خبرهما في الحيّ، فقال أهل الجارية: ما مقام هذا الفاسق في هذا الجبل؟
امضوا بنا إليه الليلة! فبعثت إليه الجارية: إن القوم سيأتونك الليلة، فاحذر على نفسك! فلما أمسى قعد على مرقاة ومعه قوسه وسهمه، ووقع بالحيّ في الليل مطر، فاشتغلوا عنه؛ فلما كان آخر الليل وانقشع السحاب وطلع القمر، اشتاقته الجارية فخرجت تريده ومعها صاحبة لها من الحي كانت تثق بها؛ فنظر الفتى إليهما فظن أنهما يطلبانه، فرمى فما أخطأ قلب الجارية، فوقعت ميتة، وصاحت الأخرى ورجعت؛ فانحدر الفتى من الجبل فإذا الجارية ميتة، فقال:
نعب الغراب بما كره ... ت ولا إزالة للقدر
تبكي وأنت قتلتها ... فاصبر وإلا فانتحر
ثم وجأ بمشاقصه «1» في أوداجه حتى مات؛ فجاء أهل المرأة فوجدوهما ميّتين، فدفنوهما في قبر واحد!












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید