المنشورات
مقامة الزهد
يا أبا القاسم ما لكَ لا ترفضُ هذهِ الفانيةَ رفضاً. ولا تنفضُ يديكَ عن طلبِها نفضاً. ألمْ ترَ كيفَ أبغضَها الله وأبغضَها أنبياؤهُ. ومقتَها ومقتها أولياؤهُ. ولوْلا استيجابُها أن تكونَ مرفوضة لوزَنَت عندَ الله جناحَ بعوضةْ. إن راقَكَ رُواؤها الجميلُ فما وراءهُ مشوَّهْ. ما هَيَ إلا اسمٌّ ذُعافٌ بالعسل مموَّه. منغّصةُ المسارّ لمْ تخلُ من أذى. مطروقةُ المشارب لم تصفُ من قَذَى معَ كلِّ استقامةٍ فيها اعوجاجْ. وفي كلِّ دَعةٍ منَ المشقّة مِزاجْ. شهدُها مشفوعٌ بإبرِ النّحلِ.
رُطبها مصحوبٌ بسلاّء النّخلِ. أمامَ الظفرِ بغنيمتها الاصطلاءُ بنارِ الحرْب. قبلَ اعتناقِ سيبِها معانقةُ أبناءِ الطعنِ والضرْب. اذكرِ المرْواني وما مُني به من خطّةٍ على رأسهِ مصبوبهْ، حين َغُصّتْ بحبةِ الرمّان حُبابتهُ المحبوبةُ. ثمَّ هَبها مُروَّقة المشاربْ. مصفّقةً من الشوائبِ. قدْ صفتْ لصاحبِها كلُّ لذَّة.
وأظلّتهُ سحابةُ اللهوِ هاطلةً مُرذَّه. أما يكفي تيقُّنُ المسرورِ بزوالِ ما هو فيه منغّصاً لسرورِها. وزاجراً للعاقلِ أن يلوِي على غرورِها. بلى إنْ نزلَ اللبيبُ على قضيةِ لُبّه. إن دَعاهُ داعي الشهوةِ لم يلبّه. وهيهاتَ إنَّ مدعوَّ الهوى لمجيب. وإنَّ سهمَ دعوةِ الدَّاعي لمصيب. اللهمَّ إلا عبداً بحبلِ الله يعتصمْ. ويتمسّكُ بعروتهِ التي لا تنفصمْ.
طوبَى لعبدٍ بحبلِ الله معتصمهْ ... على صراطٍ سويٍّ ثابتٍ قدمُهْ.
رثِّ اللباسِ جديدِ القلبِ مُستترٍ ... في الأرضِ مشتهرٍ فوقَ السماءِ سِمُه.
إذا العيونُ اجتلتهُ في بذاذتهِ ... تعلو نواظُرها عنهُ وتقتحمهُ.
ما زالَ يستحقرُ الدُّنيا بهمتهِ ... حتى ترقَّتْ إلى الإخرى بهِ همَمُه.
فذاكَ أعظمُ من ذي التاج متّكئاً ... على النّمارقِ محْتَفاً بهِ حشمهُ.
مصادر و المراجع :
١- مقامات الزمخشري
المؤلف: أبو القاسم
محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)
الناشر: المطبعة
العباسية، شارع كلوت بك - مصر
الطبعة: الأولى،
1312 هـ
16 مايو 2024
تعليقات (0)