المنشورات
مقامة التسليم
جديدانِ يَبْلى بتناسُخِهما كلُّ جديد. ويكلُّ على تعاقبِهما كلُّ حديدْ. وطلوعُ شمسٍ وغروبُ شمسْ. يطّرحانِ كلَّ إنسي تحتَ الرَّمْس. وما الدَّهرُ إلا أمسٌ ويومٌ وغدْ.
وما العيشُ إلا ضَنْكٌ ورغَدْ. وأيُهما قُيَّضَ لإنسانْ. فقد وُكِّلَ بإزالتهِ مرُّ الزمانُ. فَذُو اللبِّ منْ جعلَ لذاتهِ كأوصابهْ وسوَّى بينَ حالَتيْ عُرسهِ ومُصابهِ. ولمْ يفصلْ بينَ طعْمَيْ أريهِ وصابهِ فإذا اعتوَرَهُ النعيمُ والبُوس لمْ يعتقَبْ عليهِ التهلُّلُ والعُبوسْ. ذاكَ لأنهُ مسلِّمٌ لمجتلبِ القضا عالمٌ أنَّ كل ذلكَ إلى انقِضا. والذي بينَ دفّيه قلبٌ هَواءْ قد تياسرتَهُ الشهواتُ والأهواءٌ. لا استبصارَ يزَعهُ. ولا رويةَ تردَعُهْ. لا يعرِفُ الغناثةَ والسِّمنَ إلا في بدنهِ وماشيتهِ. ولا يفطنُ للقلةِ والكثرةِ إلا في ضبنتهِ وحاشيتهْ. لا يعبأ بدينهِ أغَثٌ هوَ أم سمينٌ. بل هوَ بالغثاثةِ قمينْ. ولا يكترِثُ بخيرهِ أقليلٌ هو أمْ كثيرْ. بل هوَ بالقّلةِ جديرْ. ولا يرى النقصانَ إلا ما وقعَ في مالهِ ولا يُبالي به في سيرهِ وأعمالهِ. قدْ رانَ على قلبهِ حُبُّ الدنيا رَينا. وزانهُ الشيطانُ في عينهِ زينا فذاكَ إن نزَلَ بهِ بعضُ اللأواءْ رُزِءَ فيهِ أيضاً بمثوبةِ العَزاءْ ولا يدري أنَّ الرُّزء بالثوابِ أطَمْ. وإنْ سالَ بهِ البحرُ الغِطمْ.
رُزْءُ الفَتى بثوابهِ لعزائهِ ... يُنْسي الشديدَ الصَّعبَ منْ أرزائهِ.
ليسَ الفتى إلا فتىً إن نابهُ ... عزَّاءُ دهرٍ عَزَّ في عزَّائهِ.
والعِزُّ أن يلوي على الصَّبرِ الّذي ... يمشي ثوابُ الله تحتَ لوِائهِ.
مصادر و المراجع :
١- مقامات الزمخشري
المؤلف: أبو القاسم
محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)
الناشر: المطبعة
العباسية، شارع كلوت بك - مصر
الطبعة: الأولى،
1312 هـ
16 مايو 2024
تعليقات (0)