المنشورات

مقامة التوقي

يا أبا القاسم لا تقولَنَّ لشيءٍ من سّيئاتكَ حقير. فلعلّهُ عندَ اللهِ نخلةٌ وعندَكَ نقير. ورَوّ في جلالةِ قدرِ النّاهي وكبرِه. ولا تنظرْ إلى دقّةِ شأنِ المنهيّ عنهُ وصغرِه فإنَّ الأشياءَ تتفاضلُ بتفاضُلِ عناصرِها. وإنَّ الأوامرَ والنّواهي تجلُّ وتدِق بحسبِ مصادرِها. لا تُسمّ الهَنةَ من الخطيّةِ هنَهْ. فإنَّ ذمتّكَ باجتنائها مُرتهنة. وتذكرّ حسابَ اللهِ وموازينهُ المعدَّلة. والنّقاشَ في مثقالِ الذرَّةِ ووزنِ الخردَله. واستعظِمْ أن تنفلِتَ عن مُلتقى أجفانكَ لحظة. أو تفرُط من عذبةِ لسانك لفظَه. أو تخالجَ من ضميرِكَ خطرة. أو تتصلَ بقدمكَ خطوة. ولحظتُكَ بمُقلةِ مُريب. ولفظتُكَ لا عن لهجةِ أريب. وخطرَتُك فكرٌ في خلافِ سدَدْ وخطوتُكَ مشيٌ على غيرِ جدَدَ. فقد علمتَ أنّكَ مأمورٌ بالغضّ من البصر. وحذفِ فضولِ النظر. وبأنْ تجعلَ الصمتَ من ديدنِكَ ودينك. إذا لم يعنِكَ المنطِقُ في دُنياكَ ودينك. وأن لا تُديرَ في خلدٍ ولا تُخطرَ ببال إلا كُلَّ أمرٍ ذي خطرٍ وبال. وأن لا تَنقُلَ قدمكَ إلا إلى مشهدِ خيرٍ يحمدُ عناؤك فيه. أو إلى موطنِ شرٍّ تُخمدُ ضرامهُ وتُطفيه فراقبِ اللهَ عندَ فتحِ جفنكَ وإطباقه. وإمساكِ نظرِكَ وإطلاقه. وأمام تكلمكَ وصمتك. وما تَرفعُ وتخفضُ من صوتكَ. وبينَ يديْ نسيانكَ وذكرِك. وما تجيلُ من رويّتكَ وفكرِك. ودونَ تقديمِ قدمكَ وتأخيرِها. وتطويلِ خُطاكَ وتقصيرِها وحاوِلْ أن يقعَ جميعُ ذلكَ متّصفاً بالسّدادِ ومتّجهاً بالصَّواب. بعيداً من المؤاخذةِ قريباً من الثواب.













مصادر و المراجع :

١- مقامات الزمخشري

المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)

الناشر: المطبعة العباسية، شارع كلوت بك - مصر

الطبعة: الأولى، 1312 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید