المنشورات

مقامة العفة

يا أبا القاسم بسَأتْ نفسكَ بالشهواتِ فافطمِها عن هذا البسوءْ. ولا تطعِها إنَّ النفسَ لأمّارةٌ بالسوءْ. تطلبُ منكَ أنْ يكونَ مسكنُها داراً قوراءْ. وسكنها مَهاةً حوراءْ، تجُرُّ في عرصتها فُضولَ مرطِها. وتمسُّ عقوتها بهُدَّابِ رَيطِها. وترقرِقُ المسكَ السحيقَ في ترابها إذا لعَبت فيها معَ أترابها تطلُعُ إليكَ من جانبِ الخِدْرْ. كما أنجابتِ السماءُ عن شُقّةِ البَدْرْ. وأن تكونَ سماءُ رُواقها منمقةً بالرقمِ الزِّريابي. وأرضُها منجدةً بالبُسطِ والزَّرابي. وأنتَ مُتّكئ فيهِ على الأريكة. مع تركية كالتريكة. وتقترِحُ عليكَ وصيفاً موصوفاً بالجمال. واصِفاً للغزالةِ والغزال. مُقرطَعاً مخَنق الْخَصْر ينفثُ في عُقدِ السّحْر. اسمُ أبيهِ يافث. واسمهُ نافِث يقبلُ إليكَ بخُوْطِ البانْ. ويدبرُ عنكَ ببعضِ الكثبان. وتسألُكَ أن تلبسَ ما يدِق ويرِق من حُرِّ الملابس. وما يروقُ ويفوقُ منَ الحللِ والنّفائس مُستشعراً ما لانَ منَ الحريرْ. مُتدثِّراً بما راقَ منَ الخير. مُروِاحاً في مصيفكَ ومَشتاكَ بينَ اللاذِ والرَّدَن. مُنتقياً منهُما ما هوَ أخف وأدفأ للبدن وتحدوكَ على ركوبِ أعتقِ المراكبِ وأروعِها. وأسلسِها قياداً وأطوعِها مُوشّىً بالآلاتِ المَزِيّنة. مُغَشّى بالحليةِ الرَّزينة منَ الذهبِ الحمراء والفضةِ البيضاءْ. كأنّما يسبحُ في لجّةٍ منَ اللجين. أو تَسيحُ عليهِ عينٌ مَنَ العينْ وتدعوكَ إلى أكلِ الطّيّبِ الناعمِ. من ألوانِ المطاعمْ الدَّجاجَ المسمنَ بكسكَرْ. والرَّجراجَ بالسّمنِ والسكر. وكلَّ ما يرتبُ على موائدِ أولي المَراتبِ. من أصنافِ الحَلاوى والاطايب. ويحكَ لا تجبها إلى شيءٍ من طلبتِها. وارجِعها ناكِصةً على أخيبِ خيبتِها. واحمِل عليها بتصريدِ شهواتها. وانزِعْ بقيءٍ من طعمِ اللهوِ في لهَواتها. واعلم أنّكَ إنْ تعصِها الساعة. تجدْها بعدَ ساعتكَ مِطواعه. وإن أطعتَها أرتكَ العجبَ منْ مُعاصاتها. وقعدْتَ لا يدَيْ لكَ بمعاناتها. ويئِستْ دعوتُكَ منْ إنصاتها بمُناصاتها. يكفيكَ منَ الرُّواقِ المزخرَفِ وبساطهِ الموشي. كِنٌّ كأنّهُ كِناسُ الوحشي يسَعُ الفقيرَ وما يُصلحهُ في يومهِ وليلتهِ. ويطابقُ ما لهُ في تصعلكهِ وعَيلتهِ. لعمرُكَ إنَّ ما ترُمُّهُ الوَرْقاءُ من ثلاثةِ أعوادْ. وما شيدهُ فرعونُ ذو الأوتاد. سيّانِ عندَ مَن فكرَ في العواقبْ. وتأمل آثارَ هذا الدوْرِ المتعاقبْ. ويُغنيكَ عن صاحبةِ المرْطِ المرَحلْ. وساحبةِ الرَّيط المرَقلْ تقيةٌ تتبلغُ بها مُرْغماً للفتّان اللّعينْ. إلى أن يبعثَها اللهُ تعالى منَ الحورِ العينْ. وتنوبُ عنِ الحصانِ قدَماكَ تسعى بهِما في سُبِل الهُدى وتتسابقُ بهما في مضمارِ البرِّ إلى المَدى ويُقنعُكَ عنِ الاطايبِ التي وصفتُها. وسردتُ نُعوتها ورصفتُها قُرصا شعيرٍ في غدائكَ وعشائك. وما عداهُما عُدَّةٌ لكظّتك وجُشائِكْ. ويجزئُكَ عن يمنةِ اليمنْ. والخُسروانيِّ الغالي الثمنْ. وبُرودِ صنعاءَ وعدَن بُردةٌ تسترُ بها مُعرَّاك. وما يواري سوأتكَ عمن يراكْ. والعبدُ الصالحُ من استحبَّ رقةَ الحالِ وخفةَ الحاذْ على المُراوحةِ بينَ الرَّدنِ واللاذْ. 
واعتقدَ أنَّ لبسَ الخُسرَوانِّي منَ الخُسرانِ. ووثقَ أنَّ العُسرَ قُرِنَ بهِ يُسران وإن أردتَ التزينَ منَ الثيابِ بأسناها. ومنَ الحُللِ بحُسناها. فأين أنتَ منَ الحلّةِ التي لا يعبأ لابسُها بنسيجِ الذَّهبِ على عطفي بعضِ الملوكْ. وكأنهُ في عينهِ سحقُ عباءَةٍ على كتفيْ صُعلوكْ وما هي إلا لباسُ التّقوى الذي هوَ اللَّباسْ لباسٌ تلقَى فيهِ اللهَ وتلقى فيما سواهُ الناسُ فافُرقْ ما تفرُقُ بينَ الملقييّنْ بينَ اللِّباسَين فليَسا بسِّييْن وتذكّرْ ما بلغَكَ من قولِ الحسَنْ. وما جرى لهُ مع الحسناءِ في الثوبِ الحسَنْ وما سجَمه من العَبرة. ووجَمَ عليهِ منَ العِبرة. وأمّا المقرطَقُ فخله لإخوانِ الفئةِ المشرِكة وهم أصحابُ المؤتفِكةِ. واستعصمِ اللهَ لعلهُ يعصمِك وصمْ عن جميعِ ما يزْرِي بكَ ويصمِك.













مصادر و المراجع :

١- مقامات الزمخشري

المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)

الناشر: المطبعة العباسية، شارع كلوت بك - مصر

الطبعة: الأولى، 1312 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید