المنشورات

مقامة التوحيد

يا أبا القاسم أفلاكٌ مسخرة وكواكبُ مُسيّرة تطلعُ حيناً وحيناً تغرُب وينأى بعضُها عن بعضٍ ويقرُب وقمرٌ في منازلهِ يعوم وشمسٌ في دورانها تدومُ فما تقوم وسحابٌ تُنشئُها القُبول وتُلحُقها وتمري أخلافَها الجنوبُ وتمسحُها وأرضٌ مذللةٌ لراكبها. مقتلةٌ للمشي في مناكبها ممهّدةٌ موطّدة بالرّاسياتِ موتّده وبحرانِ أحدُهما بالآخرِ ممروج وماءُ الأجاجِ منهُما بالعذبِ ممزوج وحجرٌ صَلدٌ ينشقُّ عنِ الماءِ الفُرات. وينفلقُ عنِ الشجرِ والنبات وحَبٌ ينشأ منهُ عُروقٌ وعِيدان ونوَى ينبُتُ منهُ جبّارٌ وعَيدان، ونُطفةٌ هي بعدَ تسعةٍ إنسان لهُ قلبٌ وبصرٌ ولِسان. في كلِّ جارحةٍ منهُ غرائبُ حكمٍ يعجزُ اللّسانُ الذَّليق أن يحصرَها ويحصيها. ويعزُّ على الفهمِ الدقيقِ أن يبلغَ كُنهها ويستقصيها ما هذه إلا دلائلُ على أنَّ وراءَها حكيماً قديراً. عليماً خبيراً تنصرَّفُ هذهِ الأشياءُ على قضائهِ ومشيئته. ويتمشّى أمُرها على حسبِ إمضائهِ وتمشيته. وهي منقادةٌ مُذعنةٌ لتقديرهِ وتكوينه. كائنةٌ أنواعاً وألواناً بتنويعهِ وتلوينه. قدِ استأثرَ هوَ بالأوليّة والقِدَم وهذه كلها محدثاتٌ عن عدَم فليملأ اليقينُ صدرَك بلا مخالجةِ ريب. ولا تزلَّ عن الإيمانِ بالغيبِ وعالمِ الغيب. ولا يستهوينكَ الشيطانُ عنِ الاستدلالِ بخلقهِ فهوَ الحُجة. ولا يستغوينكَ عن سبيلِ معرفتهِ فإنّه محجة واجتهد أن لا تجدَ اعمرَ منكَ إليهِ طريقاً. ولا أبَلَّ بأسمائهِ المقدسّةِ ريقاً وارحم نفسكَ بابتغاءِ رحمته وأنعِم عليها بالشكرِ على نعمته. ولينكشف عن بصِرك غِطائه فأنتَ وجميعُ ما عندكَ عَطاؤه.











مصادر و المراجع :

١- مقامات الزمخشري

المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)

الناشر: المطبعة العباسية، شارع كلوت بك - مصر

الطبعة: الأولى، 1312 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید