المنشورات

مقامة العبادة

يا أبا القاسم مَن أهانَ نفسهُ لربّه فهوَ مكرِمٌ لها غيرُ مُهين ومنِ امتهنَ في طاعةِ اللهِ فذاكَ عزيزٌ غيرُ مُهين. ألا أخبرُكَ بكلِّ مهان ممتهَن. في قبضةِ الذُّلِّ مرتَهن كلُّ متهالكٍ على حبِّ هذهِ الهَلوك منقطعٍ إلى أحدِ هؤلاءِ المُلوك يدينُ له ويخضع ويُخبُّ في طاعتهِ ويضع لا يطمئن قلبهُ ولا تهدأ قدمُه. ولا ينحرِفُ عن خدمتهِ هَمهُ ولا سدمُه ينتصبُ قُدامهُ انتصابَ الجذِلِ وهو ملآنُ منَ الجذَل بعرضٍ يحسبهُ مصوناً وهوَ كمنديلِ الغمر مبتذَل له ركوعٌ في كلِّ ساعةٍ وتكفير وخرورٌ على ذقنه وتعفير واجماً لاحترازهِ من سخطةِ الملكِ واحتراسهِ مُقسماً إن أقسَم جهدَ اليمينِ على راسهِ. فإن حانت منه إليه التفاتةٌ وكلفه شُوَيناً فأيُّ خطبٍ على رأسهِ عُصِبْ. ولكفايةِ أي مهمّ منَ المهماتِ نُصِب. لا يقرُّ به قَرار. ولا يرنّقُ في عينهِ غِرار. لفرطِ تشاغلهِ واهتمامه وركضهِ من وراءِ إتمامه فإن قيلَ له يا هذا خفِّض من غُلوائك وهوّن وأرخِ من شكيمةِ هذا الجدّ وليّن. قالَ لا واللهِ هكذا أمرني الأميرُ وبأجدَّ من هذا أوعزَ وأشار ولو وصفتُ لكم وصاياهُ إليَّ لما بلغتُ المِعشار. الإيمانُ باللهِ عندهُ والاقتداءُ برسولهِ أن ينتهيَ من خبثِ الطّعمةِ إلى طلبتهِ ورسوله. فاستعذ باللهِ من مقامِ هذا الشقي. وانتصِب في المحرابِ على قدميِ الأوَّاب التّقي. وذِلَّ لربِّك اليومَ تعزَّ غداً وتعَنَّ أياماً قلائلَ تسترِح أبداً وإياك وتضجيع المُتثاقل. وحاشاكَ من توصيم المتُكاسل إنَّ المِكسال من نُعوتِ بيضِ الحِجال. لا من أوصافِ بيضِ الرّضجال واستحي من ربِّكَ ربِّ العزةِ خالقِ العزِّ والأعزَّة أن يفضُلكَ في الطاعةِ والانقياد مستخدمُ بعضِ الأذلاءِ من العِباد.










مصادر و المراجع :

١- مقامات الزمخشري

المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)

الناشر: المطبعة العباسية، شارع كلوت بك - مصر

الطبعة: الأولى، 1312 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید