المنشورات

مقامة التهجد

يا أبا القاسم أكرَمُ النفوسِ أتقاها. وخيرُ الأعمالِ أنقاها فليكنْ عَمَلُكَ نقيّاً ناصِعاً وجيبُكَ في ذاتِ اللهِ تعالى ناصِحاً لا تكُن العاملَ الأخرَقَ الذي يأمُلُ بعملهِ حوْزَ الثّواب. والفوزَ في المآب. ثمَّ يخيسُ آخرَ الأمرِ بأملهِ. إنّهُ كانَ لا يكيسُ في تنقيةِ عملهِ. عملُكَ للملكِ القُدوسِ فائتِ بهِ مُقدَّساً. وحاذِرْ أن يجيءَ ما توجهَ إليه مُدنساً. اغسِل دَرَنَ الرَّياءِ عن صفحاتهِ واحترِس أن يُصيبهُ التكلفُ بنفحاتهِ اقصد بهِ وجههُ دونَ سائرِ المقاصد. تقعُد ممّا تَرجو من فواضِلهِ بالمراصدِ. أصفهِ فلَن يقبلَ منكَ إلا الأصفى. وأخفِ دعاءَهُ فقد أمرَكَ بالإخفا. وترقبْ بهِ جُنحَ الليلِ إذا أسدَلَ جناحهُ وأسدَف وأرخَى قِناعَهْ وأغْدَق. وضرَبَ السباتُ على الآذانْ. وخيطَ مَلاقي الأجفان ولفَّ صَرْعاهُ في الأكفانْ. وبقيتَ كأنّكَ وحدَكَ على الصَّعيد ليس لكَ ما خَلا القعيدينِ من قَعيد. لا تشعرُ حركةً ولا حِسّا ولا تسمَعُ رِكزاً لا وهمْساً. واستبدِل حينئذٍ تهجدُكَ من هُجودكَ واعقِد عينيكَ بموقعِ سُجودِكَ واخشعْ لَمنْ تخشعَ له الملائكةُ في سمواتهِ. واخشَ الذّي تخشى السمواتُ سطَواتهِ. وارحَم اجفانَك أن يتشبثْ النعاسُ بمَلاقيها. وخليها والبُكاء وإن قرِحتْ مآقيها. ابكِ على ما حملتَ من أوزارِكَ وخطاياك وما رحلتَ معَ أشياعِ الجهلِ مِن مطاياك. وتضرَّعْ إلى ربِّكَ وتضوَّر واستجرِ عائذاً بهِ واجأر. فرُبَّ عبدٍ تنزلَ بتضورِهِ وجؤارِه في الحرَمِ الآمنِ من كريمِ جوارِه.











مصادر و المراجع :

١- مقامات الزمخشري

المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)

الناشر: المطبعة العباسية، شارع كلوت بك - مصر

الطبعة: الأولى، 1312 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید