المنشورات

مقامة الاسوة

يا أبا القاسم للهِ عبادٌ رَهنوا بحقِّ الله ذِمَمِهُم. وعقدوا بابتغاءِ رِضوانهِ هِمَمِهُم. وصيروا نُفوسَهُم حُبُساً على المُجاهدةِ بها في سبيلِه. وسيروها ذُللاً في أزمةِ التقوى على آثارِ دليله. لها مِن يقينِهم هادٍ لا يَضل ومِن جدِّهم حادٍ لا يُمل. شِدَّةُ مِراسهِم في ذاتِ اللهِ تَقضِبُ الأمراس. وصَلابةُ معاجمهِم في الدِّينِ تُنبي الأضراس. هَينونَ ليْنون غيرَ أن لا هَوادةَ في الحقِّ ولا إدهان. بُلهٌ سِوى أنَّ غوْصَهم على الحقائقِ يعمر الألبابَ والأذهان. مستمرونَ على وتيرةٍ لا تُخافُ حُراناتُهم ثِقاةٌ لا تعرِفُ النكثَ عهودهُم وأماناتُهم. كلما تبرَّجتْ لهُم الدنيا وتزينتْ بأبهجِ زينتِها. وتحلت بأبهى حِليتِها. مفتخرةً بوَشيها مُتبخترَةً في مشيِها. خطارةً بيديها متثنيِّة بأمِّ السرورِ متكنيِّه. غضُّوا دونَ رؤيتِها أجفانُهم وضربوا على اللباتِ أذقانُهم. لم يذهب عليهم أنها أمُّ الغُرور لا أمُّ السرور. وأنها إذا تبخترت حيرت. وإذا خطَرت أخطرَت ومتى برزَت متُبرِّجة. تركتِ الأحشاءَ متضرَّجة. ومتى تزينتْ وتحلت. تبينت شرورُها وتجلت. وعاذُوا باللهِ من لَبسِها المخشي. تحتَ لُبسها المَوشي. فإن خاطبتُهم بكلمةٍ في مَعناها استبشعوها. ومرُّوا عليها مُتصاميّن كأنْ لم يسمعوها. وذهبوا عن حديثِها وهرَبوا. وهضَبوا في حديثِ الآخرةِ فأسهبَوا. ورأيتَ عُيونُهم عندَ ذلكَ مُغْرَوْرِقةْ وأناسيها في فيضِ شُؤنِهم غَرِقة. تصوُّراً لأهوالها كأنَّ المُتوقعَ منها واقع. وكأنَّ أجلَها ثابتٌ لديِهم ناقِع. تكادُ تقرَأ من سحَناتِهم. أنُهم نسّاؤنَ لحسناتِهم مُلقونَ بينَ أعينهِم السِّيئاتِ وجزاءَها لا تبرَحُ ممثلةً لها ماثلةً إزاءَها لأنفسِهم يَمهدونَ فيسهدَون ولمنجاتِهم يجتهدونَ فيتهجدون. بينَ جُنوبهم أنفسُ السعداء وفي صُدورِهم تنفسُ الصُّعداء أولئكَ الذّينَ منَ تشبه بهم فقد فازَ وسُعِد. وفَرَعَ ذؤابةَ العِزِّ وصَعِد. فاستوفِقِ اللهَ يهدِكَ لذلكَ الطريق. ويجعلكَ رفيقَ ذلكَ الفريق.










مصادر و المراجع :

١- مقامات الزمخشري

المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)

الناشر: المطبعة العباسية، شارع كلوت بك - مصر

الطبعة: الأولى، 1312 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید