المنشورات

مقامة المراقبة

يا أبا القاسم ما أنتَ وإن خلَوْتَ وحدَكَ بفريد. معكَ مَن هوَ أقربُ إليكَ من حبلِ الوريد. وجنابتَيك حفيظانِ يتلقيان لا يغفُلانِ ولا ينتقيان. وما يُدريكَ ما لم تنظُرْ بعينيِ الفِطنةِ والعقل أنكَ رُميتَ بخصمٍ ألدَّ وشاهدَي عَدلْ. إستكفِ لصحةِ إيمانكَ ومُعتقدِك. وطُمأنينةُ اليقينِ في خلَدِك. وما أوتيتَ مِن فضلٍ مُبين. ورأيٍ ليسَ بغبين وبصيرةٍ كالكوكبِ الثاقِب في الغَيْهَبِ الواقب وهمةٍ عليةِ المرقى قصيةِ المَرمى وعزَّةِ نفسٍ لا تستخذي للحملِ على الدَّنيه. وإن افترشت ذراعيها على صدرِها المنية. أن تُراقبَ عند مقارنةِ الرّيبةِ أقلَّ الناسِ وأدْونهم وأذل الخلقِ وأهونُهم. وأعجزهُم عنِ التمرس بكَ وأبعدَهم عنِ التعرضِ لك وآمنهم جاشاً أن ينم بسرك أو يهُمَّ بهتكِ سترِك وإن كانَ صبيّاً في حدِّ الطفولةِ دارِجا أو مصاباً عن حيِّز التّمييزِ خارجاً ما بكَ إلا الحياءُ والتشوُّرُ من محضرِه. واسِتقباحُ مُواقعةِ المحظورِ أمامَ نظرِه فأنتَ تبالغُ في الاحتجابِ منهُ والاحتجاز ولا تبالغُ في الاحتراسِ والاحتراز ولا تألو مبالاةً بتظنّيهِ أن يتسلقَ إلى عوارِك ومحاذرةً من حدسهِ أن يتجانفَ للاطّلاعِ على شوارِك ثمَّ لا تراقبُ اللهَ ومعقبّاته. وما أعد للمجرمينَ من مُعاقباته. أليسَ الملكُ الحافظُ أحق يتحفظِك والملكانِ الحفيظان لتنفسِك وتلفظِك. وهَبْ أنَّ أحداً من الملائكةِ والثَقلَيَن لا يراك وأنَّ اللهَ قد غطاكَ منهمّ بسترهِ ووراك. أليسَ هوَ وحدهَ أجلَّ منَ الخلائقِ وأعلى. واخلقَ بأن يُستحيْي منهُ وأوْلى ما كل ما خلقَ إلَّا حَفنةُُ مَن حفنَاته وأرزاقهُم في أصغرِ جفنةٍ مِن جَفناته. فمَن هٌم إن تبصرتَ يا غافلُ جلالتَهُ التّي البصائرُ دوُنها حيرَى. وكبرياءهُ التّي الأذهانُ عن كنُنها حَسرى ويحَك أيها الخاسِرُ الباِئر. الذي انقضت ظهرَهُ الكبائر تُب إليه ولا تٌبال إلَّا به وبعظمةِ شانه. ولا تهب إلا عزَّتهُ وجلالَة سلطانه فهو الكبيرُ وما خلاهُ إليهِ حقير. وهوَ الغني وكلهم إليه فقير.
إذا كنتَ فَرداً لا بمرأى ومَسمَع ... منَ الناسِ فاحذرْ منشئُ السمعِ والبصرْ.
ولا ترتكب ما لو دارهُ ابنُ آدمٍ ... لبَرقعَ خَديِّكَ التشوُّرُ والخفرْ.
مساويكَ تُخفيها حِذاراً منَ الوَرَى ... أليسَ إلهُ الخلقِ أخلقَ بالحذَرْ.
بلى فَتَصَوَّن في خَلائكَ فوقَ ما ... تصوَّنتَ قدماً بينَ ظهراني البشَرْ.
وكنْ رجلاً ما سَرَّ ما هوَ مُعلنٌ ... منَ الخيرِ إلا دونَ ما سَرَّ ما اسَرْ.
فما قصبات المخلصينَ مُحوزةٌ ... بمثلِ خفيّاتٍ يُصغِّرنَ ما ظهَرْ.












مصادر و المراجع :

١- مقامات الزمخشري

المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)

الناشر: المطبعة العباسية، شارع كلوت بك - مصر

الطبعة: الأولى، 1312 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید