المنشورات

مقامة الخمول

يا أبا القاسم يا أسفي على ما أمضيْتَ من عُمُرِكْ فيِ طلبِ أن يُشادَ بذكركْ. وَيُشارَ إليْكَ بأصابعِ بَني عَصْرِكْ. عَنيتَ على ذلكَ طويلاً. فما أغَنيْتَ عنكَ فَتيلاً حَسبْتَ أنَّ مَنْ ظَفِرَ بذاكَ فَقَدِ استصفَى المجْدَ بأغَبارِهْ. واستوفَى الفَخْرَ بأصْبارِه. وَقَدّرْتَ أنَّ الشارَةَ البهيةَ هيَ الجمالْ. وأنَّ الشهْرَةَ في الدنيا هيَ الكَمالْ. وما أدرَاكَ يا غافِلُ ما الكامِلْ الكامِلُ هُوَ العامِلُ الخامِلْ. الذِي هُوَ عندَ الناسِ منكُورْ وهوَ عندَ اللهِ مذكُورْ. مَجْفُوٌ في الأرْضِ لَيْسَ لهْ ظهيرٌ ولا ناصرْ ولا تُثْني بهِ أباهيمُ وَلا خنَاصِر. ما قُلْتَ لأحَدٍ هَلْ تَشْعُرُ بهِ إلا قالَ لا. لا يُدْعَى في النقَرَى ولا في الجَفَلَى. خَلا أنَّ لهُ السمَاء اسْمَاً لا يَخْفَى. وجانباً مَرْعياً لا يُجْفَى وسَبَبَاً قَوِياً لا تَسترْخي قُواهُ. ولا تَبْلُغُ هذهِ الأسبابُ قُوَّةً مِنْ قُواهُ. فَعَدِّ إذنْ عنْ هذهِ الأسامي والأصواتْ. وعُدَّ شَخْصَكَ في عِدَادِ الأمْوَاتِ. كَفِّنْهُ بِالخُمُولِ قَبْلَ أنْ يُكَفّنْ وَادْفِنْهُ في بَعْضِ الزَوَايَا قَبْلَ أنْ يُدْفَنْ. واجعَلْ لهُ قَعْرَ بَيْتِكَ قَبْراً. واصبِرْ على مُعانَاةِ الوحدَةِ صَبْرَا وطِبْ عن زيَاراتِ النّاسِ نَفْسا. ولا تَرْضَ سَوى الوحشَةِ أُنْسَا وَلا تَنْشَطْ إلا إلى زَاِئرٍ إنْ ضَلَلَتَ عَنِ المحَجّةِ أرْشَدْ. وَإنْ أضْلَلْتَ الحُجّةَ أنْشَدْ. وَإنْ خَفِيَ عَلَيْكَ الصَّوَابُ
جَلىّ وَإن أصابَكَ هَمٌ في ديِنِكَ سَلّى. لا يَزُورُكَ إلا ليِوصيكَ بالحقِّ ويَنْصَحَكْ وَيَرْأبَ ثَأْيَكَ وَيُصْلِحَكْ. وَيُعالجَكَ منْ مَرَضِكَ وَشَكَاتِكْ. بما يَصِفُ مِنْ أمر مُبْكيِاتِكْ. لا أمْرِ مُضْحِكاتِكْ ذَاكَ لا يَتَنَفّسُ في جَنَابِكْ إلا عَبِقَ نَسيمُ الفِرْدَوْسِ بِثيابِكْ. وَلا يخْطِرُ في عَرْصَةِ دَارِكَ إلا أصبَحَتْ مُبارَكَهْ. وَبَسَطَتْ أجْنِحَتَها فيها الملائكة فلا تبْغِ بهِ بَدَلاً وَإنْ أفاءَ عَليْكَ بِيضَ النّعَمْ. وَسَاقَ إلَيْكَ حُمْرَ النّعَمْ.
أطلُب أبا القاسمِ الخُمولَ وَدَعْ ... غيرَك يطلبُ أسامِياً وَكُنى.
شبِّه ببعضِ الأمواتِ شخصَك لا ... تُبرِزهُ إن كنتَ عاقلاً فَطِنا.
ادفنهُ في البيتِ قبلَ ميتتهِ ... واجعل له مِن خُمولهِ كَفنا.
عساكَ تُطفي ما أنتَ موقِدُه ... إذ أنتَ في الجهلِ تخلعُ الرَّسنا.











مصادر و المراجع :

١- مقامات الزمخشري

المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)

الناشر: المطبعة العباسية، شارع كلوت بك - مصر

الطبعة: الأولى، 1312 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید