المنشورات

مقامة العزم

يا أبا القاسم يا خابطَ عَشَواتِ الغَيْ ويا صريعَ نَشَواتِ البَغي ويا معطِّلَ صفايا عُمُرِه متولِّياً عن أمرِ المتولِّي لأمرِه. 
ويا متثاقلاً عمّا يجبُ فيه الانكماش ِويا آمِن كبوةٍ ليسَ بعدَها انتعاش ويا مَن هَمه مبثوث. فيما هوَ على ضدِّه محثوث وقلبهُ صبٌ مشُوق إلى خلافِ ما هو إليهِ مَسوق ويا مدَلى بغرورِ الفتانِ ومكرِه ومستدرِجاً بدهائهِ ونكرِه فيما لا يذهبُ إليهِ عاقلٌ بفكرِه خفِّض قليلاً مِن غلُوائِك. وأدلِ من مُعاصاتِك لإرعوائِك وشمِّر عن ساقِ الجدِّ في تركِ الهزل، واصدُر في تدبيرِ أمرِك عن الرأيِ الجزل. لا تغرِس إلا ما تلينُ غداً ليدِكَ مثانيهِ ومعاطُفه. ويُطعمُك الحلوَ الطيبَ مجانيهِ ومقاطُفه. ولن يتمَّ لكَ ذلكَ إلا إذا حفِظتَ شربكَ ممّا يعافهُ السّاقي والشّارب. ونفضتَ سربكَ ممّا يخافهُ السّاري والسّارِب. إنَّ مَعاصيَ المسلمِ كالسِّبَاعِ العاديةِ في شوارعِهِ وكالأقذاءِ المتعاديةِ في شرائعهِ. وأنّى لكَ أنْ تضرِبَ في طريقٍ عُمّارهُ سِبَاعْ، وأنْ تشربَ من إناءٍ أقذاؤهُ تباعْ واجعلْ مرمى بصرِكَ الغايةَ التي انتهى إليها أولو العزمِ الصابرون، وممشى قدمكَ الطريقة التي انتهجها الفائزونْ، ولا تقتَدِ ببني أيامِكَ فإنهم رَعَاع. قَدْ لأموا صَدْعَ دُنياهمْ ودينُهُمْ شَعَاعْ، والمقتَدِي بهؤلاء أطفُّ منُهم في البِرِّ مكيالاً. وأخف في الخيرِ مثقالاً.











مصادر و المراجع :

١- مقامات الزمخشري

المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)

الناشر: المطبعة العباسية، شارع كلوت بك - مصر

الطبعة: الأولى، 1312 هـ


تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید