المنشورات

المَقَامَةُ المَجَاعِيَّةُ

حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: كُنْتُ بِبَغْدَادَ عَامَ مَجاعَةٍ فَمِلْتُ إِلى جَماعَةٍ، قَدْ ضَمَّهُمْ سِمْطُ الثُّرَيَّا، أَطْلُبُ مِنْهُمْ شَيَّا، وَفِيهمْ فَتىً ذُو لَثْغَةٍ بِلِسَانِهِ، وَفَلَجٍ بِأَسْنَانِهِ، فَقَالَ: مَا خَطْبُكَ، قُلْتُ: حَالاَنِ لا يُفْلِحُ صَاحِبُهُما فَقِيرٌ كَدَّهُ الجُوعُ وَغَرِيبٌ لايُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فَقَالَ الغُلامُ: أَيُّ الثُّلْمَتَينِ نُقَدِّمُ سَدَّها؟ قُلْتُ: الجُوعُ فَقَدْ بَلَغَ مِنِّي مَبْلَغاً! قَالَ: فَمَا تَقولُ فِي رَغيفٍ، عَلى خِوَانٍ نَظيفٍ، وَبَقْلٍ قَطِيف إِلى خَلٍّ ثَقِيفٍ، وَلَوْنٍ لَطِيفٍ، إِلَى خَرْدَلٍ حِرِّيفٍ، وَشِوَاءٍ صَفِيفٍ، إِلَى مِلْحٍ خَفِيفٍ، يُقَدِّمُهُ إِلَيْكَ الآنَ مَنْ لا يَمْطُلُكَ بِوَعْدٍ وَلا يُعَذِّبُكَ بِصَبْرٍ، ثُمَّ يَعُلكَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَقْداحٍ ذَهَبِيةٍ، مِنْ راحٍ عِنَبِيَّةٍ؟ 
أَذَاكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ أَوْسَاطٌ مَحْشُوَّةٌ، وَأَكْوابٌ مَمْلُوَّةٌ، وَأَنْقَالٌ مُعَدَّدَةٌ، وَفُرُشٌ مُنَضَّدَةٌ، وَأَنْوَارٌ مُجَوَّدَةٌ،وَمُطْرِبٌ مُجِيدٌ، لَهُ مِنَ الغَزَالِ عَيْنٌ وَجِيدٌ؟ فَإِنْ لَمْ تُرِدْ هذَا وَلا ذَاكَ، فَمَا قَوْلُكَ في لَحْمٍ طَرِيٍّ، وَسَمَكٍ نَهْرِيٍ،وَبَاذِنْجَانٍ مَقْليٍّ، وَرَاحٍ قُطْرُبُّليٍّ، وَتُفَّاحٍ جَنِيٍ، وَمَضْجَعٍ وَطِيٍّ، عَلَى مَكَانٍ عَليٍّ، حِذَاءَ نَهْرٍ جَرَّارٍ، وَحَوْضٍ ثَرْثَارٍ، وَجَنَّةٍ ذَاتِ أَنْهَارٍ؟ قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَقُلْتُ: أَنَا عَبْدُ الثَّلاَثَةِ، فَقَالَ الغُلاَمُ: وَأَنَا خَادِمُهَا لَوْ كَانَتْ، فَقُلْتُ: لا حَيَّاكَ اللهُ، أَحْيَيْتَ شَهَوَاتٍ قَدْ كَانَ اليَأَسُ أَمَاتَها، ثُمَّ قَبَضْتَ لَهَاتَهَا، فَمنْ أَيِّ الخَرَابَاتِ أَنْتَ؟ فَقالَ:
أَنَا مِنْ ذَوِي الإِسْكَنْدَرِيَّةْ ... مِنْ نَبْعَةٍ فِيهِمْ زِكِيَّةْ
سَخُفَ الزَّمَانُ وَأَهْلُهُ ... فَرَكِبْتُ مِنْ سُخْفيِ مَطِيَّهْ










مصادر و المراجع :

١- مقامات بديع الزمان الهمذاني

المؤلف: أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى بديع الزمان الهمذاني (المتوفى: 398هـ)

المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد

الناشر: المكتبة الأزهرية

عام النشر: 1342 هـ - 1923 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید