المنشورات

الزباد

وأما أنت أيها الزباد وإن اشتهرت في كل ناد، بين كل حاضر وباد، فلست تعد مع هؤلاء الأقران، لأنه لم يرد ذكرك في آية من القرآن، ولا في حديث عن سيد ولد عدنان، ولا في الصحاح ولا في الضعاف ولا في الحسان، ولا في أثر عن أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان، فلا تتعد طورك، ولا تبعد غورك، ومتى أدعيت أنك رابعهم قيل لك إخساء، ومتى جاريتهم في ميدان السبق فكبا لك وتعسا، وأخرى أنبئك بها من الفقهاء من قرر نجاستك وذلك مما يسقط في سوق الطيب نفاستك، وقصارى أمرك أنك عرق هد بري، أو لبن سنور بحري، فلا نسب لك ولا حسب، ولا سلف ولا خلف، وأنك أقل شرفا، وأذل سلفا، ومتى إنتتف معك من شعر أصلك ما يجاوز حد العفو فعليك العفا، غير أنا نجبر كسرك ونغني فقرك قد رزقك الله تعالى أنواعا من المنفعة، وجعل فيها أسرارا مودعة إذا شمك المزكوم نفعته من الزكام، وإذا ضمخ بك الدماميل خففت عنها الآلام وإذا سقي منك درهم مع مثله زعفران في مرقة دجاجة سمينة، سهلت ولادة المرأة وحفظت الدرة السمينة، وحرارتك في الدرجة الثالثة، وفيك رطوبة معتدلة لمن أراد المثاقبة والمثافتة والمنافثة.
ثم رأيت في خبر مرسل عن أم حبيبة زوج خير مرسل، أن نسوة النجاشي أهدين لها من الزباد الكثير، وأنها قدمت به على النبي البشير النذير.
فإذن حصل للزباد من ذلك الشرف، وارتقى إلى طبقة عالية الغرف، وصار في أنواع الطيب رابعاً، وللأمراء الثلاثة رابعاً.
وأستغفر الله تعالى مما وقع من تنقيصه وأسعفيه من الجهل. بتمييزه وتخصيصه جعلنا الله تعالى ممن أناب إلى الحق ورجع وأصغى إلى الصدق وخشع، وأعاذنا برحمته من كل شرك وجنبنا كل زور وكذب وأفك، وجمعنا مع عباده الأبرار والمقربين في سلك، وجعلنا من الذين يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك.

والحمد لله وصلى الله عليه وسلم من لا نبي بعده سيدنا محمد وآله وصحبه وأتباعه وحزبه وغفر الله لنا وللمسلمين أجمعين آمين. وكان الفراغ من كتابة هذه المقامات في صبح يوم الاثنين المبارك أربعة أيام خلت من شهر الحجة الحرام الذي هو من شهور سنة 1267-سبع وستين ومائتين وألف من الهجرة النبوية، على صاحبها ألف سلام وألف تحية. وذلك على يد الراجي عفو ربه الوهاب، عمر بن الخطاب اللهم اغفر له ولجميع إخوانه المسلمين، ولمن قال اللهم آمين وصلى الله على محمد وآله وسلم.












مصادر و المراجع :

١- مقامات السيوطي

المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)

الناشر: مطبعة الجوائب - قسطنطينية

الطبعة: الأولى، 1298 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید