المنشورات

النرجس

فقام النرجس على ساق، ورمى الورد منه بالأحداق، وقال لقد تجاوزت الحد يا ورد وزعمت أنك جمع في فرد، إن اعتقدت أن لك بحمرتك فخرة، فإنها منك فجرة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الشيطان يحب الحمرة، فإياكم والحمرة، وكل ثوب ذي شهرة) .
وإن قلت أنك النافع في العلاج فكم لك في مهاج الطب من هاج، ألست الضار للمزكوم، المعطش المحرور الدماغ عند المشموم المضعف للباه، النائم بلا انتباه، أتغتر ببردك القشيب، وأنت الجالب للمشيب، فحفظ بالصمت حرمتك، وإلا كسرت بقائم سيفي شوكتك، ويكفيك قول ابن الرومي فيك.

يا مادح الورد لا ينفك من غلطه ... ألست تنظره في كف ملتقطه
كأنه صرم بغل حبيس سكرجه ... عند البراز وباقي الروث في وسطه
ولكن أنا القائم لله عز وجل في الدياجي على ساقي، الساهر طول الليل في عبادة ربي فلا تطرف أحداقي، وأنا مع ذلك المعد للحروب، المدعو عند تزاحم الكروب ألا ترى وسطي لا يزال مشدودا، وسيفي لا يبرح مجردا وأنا فريد الزمان في المحاسن والإحسان، ولهذا قال في كسرى أنو شروا ن النرجس ياقوت أصفر بين در أبيض على زمرد أخضر، وأنا المشبه بي عيون الملاح المعروف في مهمات الأدواء بالصلاح، أنفع غاية النفع من داء الثعلب والصرع.
وقد روي في حديث رواية غير مقل ولا مفلس (شموا النرجس فإن في القلب حبة من الجنون والجذام والبرص لا يقطعها إلا شم النرجس) .
وفي أصلي قوة تلحم الجراحات العظيمة، وتنفع ذكر العنين وتجيد تقويمه وشمي ينفع من وجع الرأس والزكام البارد، وفي تحليل قوي لمن هو قاصد ودهني نافع لأوجاع العصب والأرحام، وأوجاع المثانة والأذن والصلب من الأورام، ولولا اشتهاري بالنفع من الجوى ما أكثر النحاة التمثيل بقولهم نرجس الدواء، ومن الدليل على صلاحي أن أبا نواس غفر له بأبيات قالها في امتداحي.

تأمل في رياض الأرض وانظر ... إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين فاخرات ... بأحداق كما الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات ... بأن الله ليس له شريك
وقال آخر
عيون إذا عاينتها كأنها ... دموع الندا وما فوق أجفانها ور
محاجرها بيض وأحدافها صفر ... وأجسامها خضر وأنفاسها عطر
وقد أحسن ابن الرومي حيث قال
فبينا فضلي على كل حال ... أيها المحتج للورد بزود محال
وذهب النرجس بالفض ... ل فانصف في المقال
لا تقاس الأعين النج ... ل بأصرام البغال












مصادر و المراجع :

١- مقامات السيوطي

المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)

الناشر: مطبعة الجوائب - قسطنطينية

الطبعة: الأولى، 1298 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید