المنشورات

المقامة الدّمشقيّة

حكى الحارثُ بنُ همّامٍ قال : شخصْتُ منَ العِراقِ إلى الغوطَةِ . وأنا ذو جُرْدٍ مربوطةٍ . وجِدَةٍ مغْبوطَةٍ . يُلْهِيني خُلوُّ الذَّرْعِ . ويزْدَهيني حُفولُ الضّرْعِ . فلمّا بلغْتُها بعدَ شقّ النفْسِ . وإنْضاء العنْسِ . ألفَيتُها كما تصِفُها الألسُنُ . وفيها ما تشتَهي الأنفُسُ وتلَذّ الأعيُنُ . فشكرْتُ يدَ النّوى . وجرَيْتُ طلَقاً مع الهَوى . وطفِقْتُ أفُضّ خُتومَ الشّهَواتِ . وأجْتَني قُطوفَ اللّذّاتِ . إلى أن شرعَ سفرٌ في الإعْراقِ . وقدِ استفَقْتُ منَ الإغْراقِ . فعادَني عيدٌ منْ تَذْكارِ الوطَنِ . والحَنينِ إلى العطَنِ . فقوّضْتُ خِيامَ الغَيبَةِ . وأسرَجْتُ جَوادَ الأوبَةِ . ولمّا تأهّبَتِ الرّفاقُ . واستتبّ الاتّفاقُ . ألَحْنا منَ المسيرِ . دونَ استِصْحابِ الخَفيرِ . فرُدْناهُ منْ كلّ قَبيلة . وأعْمَلنا في تحصيلِه ألفَ حيلةٍ . فأعْوَزَ وِجْدانُه في الأحياء ، حتى خلنا أنه ليس من الأحياء مخارت لعوزه عُزومُ السيّارَةِ . وانْتَدَوْا ببابِ جَيْرونَ للاستِشارَةِ . فما زالوا بينَ عَقدٍ وحلٍّ . وشزَرٍ وسحْلٍ . إلى أن نفِدَ التّناجي . وقنَطَ الرّاجي . وكان حِذَتَهُمْ شخْصٌ مِيسَمُهُ ميسَمُ الشبّانِ . ولَبوسُهُ لَبوسُ الرّهبانِ . وبيَدِه سُبْحَةُ النّسْوانِ . وفي عينِهِ ترجمَةُ النّشوانِ . وقد قيّدَ لحظَهُ بالجَمْعِ . وأرهَفَ أذُنَهُ لاستِراقِ السّمْعِ . فلمّا أنى انْكِفاؤهُمْ . وقد برحَ لهُ خَفاؤهُمْ . قال لهُمْ : يا قومُ ليُفرِخْ كرْبُكُمْ . وليَأمَنْ سِرْبُكُمْ . فسأخْفُرُكُمْ بما يسْرو روْعَكُمْ . ويبدو طوعَكُمْ . قال الرّاوي : فاستَطْلَعنا منهُ طِلْعَ الخِفارَةِ . وأسْنَينا لهُ الجَعالَةَ عنِ السِّفارةِ . فزعَم أنّها كلِماتٌ لُقّنَها في المَنامِ . ليحتَرِسَ بها منْ كيْدِ الأنامِ . فجعَلَ بعْضُنا يومِضُ إلى بعْضٍ . ويقلّبُ طرْفَيْهِ بينَ لحْظٍ وغضٍّ . وتبيّنَ لهُ أنّا استَضْعَفنا الخبَرَ . واستَشْعَرْنا الخَوَرَ . فقال : ما بالُكُمُ اتّخذْتُمْ جِدّي عبثاً . وجعلتُمْ تِبري خَبَثاً ؟ ولَطالَما واللهِ جُبْتُ مَخاوِفَ الأقْطارِ . وولجْتُ مَقاحِمَ الأخْطارِ . فغَنيتُ بها عنْ مُصاحبَةِ خَفيرٍ . واستِصْحابِ جَفيرٍ . ثمّ إني سأنْفي ما رابَكُمْ . وأستَسِلُّ الحذَرَ الذي نابَكُمْ . بأنْ أُوافِقَكُمْ في البَداوةِ . وأرافِقَكُمْ في السّماوَةِ . فإنْ صدقَكُمْ وعْدي . فأجِدّوا سعْدي . وأسْعِدوا جِدّي . وإنْ كذبَكمْ فَمي . فمزّقوا أدَمي . وأرِيقوا دَمي . قال الحارثُ بنُ هَمّامٍ : فأُلْهِمْنا تصْديقَ رؤياهُ . وتحْقيقَ ما رَواهُ . فنزَعْنا عن مُجادَلَتِه . واستَهَمْنا على مُعادلَتِه . وفصَمْنا بقوْلِهِ عُرى الرّبائِثِ . وألغَيْنا اتّقاءَ العابِثِ والعائِثِ . ولمّا عُكِمَتِ الرّحالُ . وأزِفَ التّرْحالُ . استَنزَلْنا كلِماتِهِ الرّاقيةَ . لنجْعَلَها الواقيَةَ الباقيَةَ . فقال : ليقْرأ كُلٌ منكُمْ أمَّ القُرآنِ . كلّما أظَلَّ الملَوانِ . ثمّ ليَقُلْ بلِسانٍ خاضعٍ . وصوْتٍ خاشِعٍ : اللهُمّ يا مُحْيي الرُفاتِ . ويا دافِعَ الآفاتِ . ويا واقيَ المخافاتِ . ويا كريمَ المُكافاةِ . ويا موئِلَ العُفاةِ . ويا وليّ العفْوِ والمُعافاةِ . صلّ على محمّدٍ خاتِمِ أنبِيائِكَ . ومبلِّغ أنبائِكَ . وعلى مصابيحِ أسرتِه . ومفاتيحِ نُصرتِه . وأعِذْني منْ نزَغاتِ الشياطينِ . ونَزواتِ السّلاطينِ . وإعْناتِ الباغينَ . ومُعاناةِ الطّاغينَ . ومُعاداةِ العادينَ . وعُدْوانِ المُعادينَ . وغلَبِ الغالِبينَ . وسلَبِ السّالِبينَ . وحِيَلِ المُحْتالينَ . وغِيَلِ المُغْتالينَ . 
وأجِرْني اللهُمّ منْ جَوْرِ المُجاوِرينَ . ومُجاوَرَةِ الجائِرينَ . وكُفّ عني أكُفّ الضّائِمِينَ . وأخرِجْني منْ ظُلُماتِ الظّالمينَ . وأدْخِلْني برحْمَتِكَ في عِبادِكَ الصّالِحينَ . اللهُمّ حُطْني في تُرْبَتي . وغُرْبَتي . وغيْبَتي . وأوبَتي . ونُجْعَتي . ورجْعَتي . وتصرُّفي . ومُنصَرَفي . وتقلّبي . ومُنقلَبي . واحْفَظْني في نفْسي . ونفائِسي . وعِرْضي . وعرَضي . وعدَدي . وعُدَدي . وسكَني . ومسْكَني . وحَوْلي . وحالي . وملي . ومآلي . ولا تُلحِقْ بي تغييراً . ولا تُسلّطْ عليّ مُغيراً . واجْعَلْ لي منْ لدُنْكَ سُلطاناً نَصيراً . اللهُمّ احرُسْني بعينِك . وعونِكَ . واخْصُصْني بأمنِكَ . ومنّكَ . وتولّني باختِيارِكَ وخيرِكَ . ولا تكِلْني إلى كِلاءَةِ غيرِك . وهَبْ لي عافيَةً غيرَ عافِيَةٍ . وارْزُقْني رَفاهيَةً غيرَ واهيَةٍ . واكْفِني مَخاشيَ اللأوَاء . واكْنُفْني بغواشي الآلاء . ولا تُظْفِرْ بي أظفارَ الأعْداء . إنّك سميعُ الدُعاء . ثمّ أطرَقَ لا يُديرُ لحْظاً . ولا يُحيرُ لفْظاً . حتى قُلْنا : قد أبلَسَتْهُ خشيةٌ . أو أخرَسَتْهُ غشيَةٌ . ثمّ أقنعَ رأسَهُ . وصعّدَ أنفاسَهُ . وقال : أُقسِمُ بالسّماء ذاتِ الأبراجِ . والأرضِ ذاتِ الفِجاجِ . والماءِ الثَّجّاجِ . والسّراجِ الوهّاجِ . والبحْرِ العجّاجِ . والهواءِ والعَجاجِ . إنّها لَمِنْ أيمَنِ العُوَذِ . وأغْنى عنكُمْ منْ لابِسي الخُوَذِ . مَنْ درَسها عندَ ابتِسامِ الفلَقِ . لم يُشفِقْ منْ خطْبٍ إلى الشّفَقِ . ومنْ ناجَى بها طَليعَةَ الغسَقِ . أمِنَ ليلَتَهُ منَ السّرَقِ . قال : فتلقّنّاها حتى أتْقَنّاها . وتدارَسْناها لكيْ لا ننْساها . ثمّ سِرْنا نُزْجي الحَمولاتِ . بالدّعَواتِ لا بالحُداةِ . ونحْمي الحُمولاتِ . بالكَلِماتِ لا بالكُماةِ . وصاحِبُنا يتعَهّدُنا بالعَشيّ والغداةِ . ولا يستَنْجِزُ منّا العِداتِ . حتى إذا عايَنّا أطْلالَ عانَةَ . قال لنا : الإعانَةَ الإعانةَ فأحْضَرْناهُ المَعْلومَ والمكتومَ . وأرَيْناهُ المعْكومَ والمخْتومَ . وقُلْنا لهُ : اقْضِ ما أنتَ قاضٍ . فما تجِدُ فينا غيرَ راضٍ . فما استَخفّهُ سِوى الخِفّ والزَّينِ . ولا حَلِيَ بعينِهِ غيرُ الحَلْيِ والعَينِ . فاحتَمَل منهُما وِقْرَهُ . وناءَ بما يسُدّ فَقْرَهُ . ثمّ خالَسَنا مُخالَسَةَ الطّرّارِ . وانْصلَتَ منّا انصِلاتَ الفَرّارِ . فأوحَشَنا فِراقُهُ . وأدْهَشَنا امتِراقُهُ . ولمْ نزَلْ ننْشُدُهُ بكلّ نادٍ . ونستَخْبِرُ عنهُ كلَّ مُغوٍ وهادٍ . إلى أن قيل : إنّه مُذْ دخَل عانَةَ . ما زايلَ الحانةَ . فأغْراني خُبْثُ هذا القولِ بسَبكِهِ . والانسِلاكِ فيما لستُ منْ سِلْكِه . فادّلَجْتُ إلى الدّسكَرَةِ . في هيئةٍ منكّرَةٍ . فإذا الشيخُ في حُلّةٍ ممصّرَةٍ . بينَ دِنانٍ ومِعصَرَةٍ . وحولَهُ سُقاةٌ تبهَرُ . وشُموعٌ تزْهَرُ وآسٌ وعبْهَرٌ . ومِزْمارٌ ومِزْهَرٌ . وهوَ تارةً يستَبْزِلُ الدِّنانَ . وطَوْراً يستَنطِقُ العِيدانَ . ودَفعةً يستنشِقُ الرَّيْحانَ . وأخرَى يغازِلُ الغِزْلانَ . فلمّا عثرْتُ على لَبْسِهِ . وتفاوُتِ يومِهِ منْ أمْسِه . قلتُ : أوْلى لكَ يا ملْعونُ . أأُنسيتَ يومَ جَيْرونَ ؟ فضحِكَ مُستَغرِباً . ثم أنشدَ مُطَرِّباً : بْ لي عافيَةً غيرَ عافِيَةٍ . وارْزُقْني رَفاهيَةً غيرَ واهيَةٍ . واكْفِني مَخاشيَ اللأوَاء . واكْنُفْني بغواشي الآلاء . ولا تُظْفِرْ بي أظفارَ الأعْداء . إنّك سميعُ الدُعاء . ثمّ أطرَقَ لا يُديرُ لحْظاً . ولا يُحيرُ لفْظاً . حتى قُلْنا : قد أبلَسَتْهُ خشيةٌ . أو أخرَسَتْهُ غشيَةٌ . ثمّ أقنعَ رأسَهُ . وصعّدَ أنفاسَهُ . وقال : أُقسِمُ بالسّماء ذاتِ الأبراجِ . والأرضِ ذاتِ الفِجاجِ . والماءِ الثَّجّاجِ . والسّراجِ الوهّاجِ . والبحْرِ العجّاجِ . والهواءِ والعَجاجِ . إنّها لَمِنْ أيمَنِ العُوَذِ . وأغْنى عنكُمْ منْ لابِسي الخُوَذِ . مَنْ درَسها عندَ ابتِسامِ الفلَقِ . لم يُشفِقْ منْ خطْبٍ إلى الشّفَقِ . ومنْ ناجَى بها طَليعَةَ الغسَقِ . أمِنَ ليلَتَهُ منَ السّرَقِ . قال : فتلقّنّاها حتى أتْقَنّاها . وتدارَسْناها لكيْ لا ننْساها . ثمّ سِرْنا نُزْجي الحَمولاتِ . بالدّعَواتِ لا بالحُداةِ . ونحْمي الحُمولاتِ . بالكَلِماتِ لا بالكُماةِ . وصاحِبُنا يتعَهّدُنا بالعَشيّ والغداةِ . ولا يستَنْجِزُ منّا العِداتِ . حتى إذا عايَنّا أطْلالَ عانَةَ . قال لنا : الإعانَةَ الإعانةَ فأحْضَرْناهُ المَعْلومَ والمكتومَ . وأرَيْناهُ المعْكومَ والمخْتومَ . وقُلْنا لهُ : اقْضِ ما أنتَ قاضٍ . فما تجِدُ فينا غيرَ راضٍ . فما استَخفّهُ سِوى الخِفّ والزَّينِ . ولا حَلِيَ بعينِهِ غيرُ الحَلْيِ والعَينِ . فاحتَمَل منهُما وِقْرَهُ . وناءَ بما يسُدّ فَقْرَهُ . ثمّ خالَسَنا مُخالَسَةَ الطّرّارِ . وانْصلَتَ منّا انصِلاتَ الفَرّارِ . فأوحَشَنا فِراقُهُ . وأدْهَشَنا امتِراقُهُ . ولمْ نزَلْ ننْشُدُهُ بكلّ نادٍ . ونستَخْبِرُ عنهُ كلَّ مُغوٍ وهادٍ . إلى أن قيل : إنّه مُذْ دخَل عانَةَ . ما زايلَ الحانةَ . فأغْراني خُبْثُ هذا القولِ بسَبكِهِ . والانسِلاكِ فيما لستُ منْ سِلْكِه . فادّلَجْتُ إلى الدّسكَرَةِ . في هيئةٍ منكّرَةٍ . فإذا الشيخُ في حُلّةٍ ممصّرَةٍ . بينَ دِنانٍ ومِعصَرَةٍ . وحولَهُ سُقاةٌ تبهَرُ . وشُموعٌ تزْهَرُ وآسٌ وعبْهَرٌ . ومِزْمارٌ ومِزْهَرٌ . وهوَ تارةً يستَبْزِلُ الدِّنانَ . وطَوْراً يستَنطِقُ العِيدانَ . ودَفعةً يستنشِقُ الرَّيْحانَ . وأخرَى يغازِلُ الغِزْلانَ . فلمّا عثرْتُ على لَبْسِهِ . وتفاوُتِ يومِهِ منْ أمْسِه . قلتُ : أوْلى لكَ يا ملْعونُ . أأُنسيتَ يومَ جَيْرونَ ؟ فضحِكَ مُستَغرِباً . ثم أنشدَ مُطَرِّباً : لزِمتُ السِّفارَ وجُبتُ القِفارَ . . . وعِفْتُ النِّفارَ لأجْني الفرَحْ
وخُضتُ السّيولَ ورُضتُ الخيولَ . . . لجَرّ ذُيولِ الصّبى والمَرَحْ
ومِطتُ الوَقارَ وبعْتُ العَقارَ . . . لحَسْوِ العُقارِ ورشْفِ القدَحْ
ولولا الطِّماحُ إلى شُربِ راحٍ . . . لما كانَ باحَ فَمي بالمُلَحْ
ولا كان ساقَ دَهائي الرّفاقَ . . . لأرضِ العِراقِ بحمْلِ السُّبَحْ
فلا تغضَبَنّ ولا تصخَبَنّ . . . ولا تعتُبَنّ فعُذْري وضَحْ
ولا تعجَبَنّ لشيْخٍ أبَنّ . . . بمغْنًى أغَنّ ودَنٍّ طفَحْ
فإنّ المُدامَ تُقوّي العِظامَ . . . وتَشْفي السَّقامَ وتنْفي التّرَحْ
وأصْفى السّرورِ إذا ما الوَقورُ . . . أماطَ سُتورَ الحَيا واطّرَحْ
وأحْلى الغَرام إذا المُستهامَ . . . أزالَ اكتِتامَ الهَوى وافتضَحْ
فبُحْ بهَواكَ وبرّدْ حَشاكَ . . . فزَنْدُ أساكَ بهِ قدْ قدَحْ
وداوِ الكُلومَ وسلِّ الهُمومَ . . . ببِنْتِ الكُروم التي تُقترَحْ
وخُصّ الغَبوقَ بساقٍ يسوقُ . . . بَلاءَ المَشوقِ إذا ما طمَحْ
وشادٍ يُشيدُ بصوتٍ تَميدُ . . . جِبالُ الحديدِ لهُ إنْ صدَحْ
وعاصِ النّصيحَ الذي لا يُبيحُ . . . وِصالَ المليحِ إذا ما سمَحْ
وجُلْ في المِحالِ ولوْ بالمُحالِ . . . ودعْ ما يُقالُ وخُذْ ما صلَحْ
وفارِقْ أباكَ إذا ما أباكَ . . . ومُدَّ الشّباكَ وصِدْ مَنْ سنَحْ
وصافِ الخَليلَ ونافِ البَخيلَ . . . وأوْلِ الجَميلَ ووالِ المِنَحْ
ولُذْ بالمَتابِ أمام الذّهابِ . . . فمَنْ دقّ بابَ كريمٍ فتَح
ْ
فقلتُ لهُ : بَخٍ بخٍ لرِوايتِكَ . وأُفٍّ وتُفٍّ لغَوايَتِكَ فباللهِ منْ أيّ الأعياصِ عِيصُكَ . فقدْ أعضَلَني عَويصُكَ ؟ فقال : ما أحبُّ أنْ أُفصحَ عنّي . ولكِنْ سأُكَنّي :
أنا أُطروفَةُ الزّما . . . نِ وأعجوبَةُ الأُمَمْ
وأنا الحُوَّلُ الذي احْ . . . تالَ في العُرْبِ والعجَمْ
غيرَ أنّي ابنُ حاجَةٍ . . . هاضَهُ الدّهرُ فاهتضَمْ
وأبو صِبيَةٍ بدَوْا . . . مثلَ لحْمٍ على وضَمْ
وأخو العَيلَةِ المُعي . . . لُ إذا احْتالَ لمْ يُلَمْ
قال الرّاوي : فعرفتُ حينَئِذٍ أنّه أبو زيدٍ ذو الرّيبِ والعيْبِ . ومُسوِّدُ وجْهِ الشّيْبِ . وساءني عِظَمُ تمرّدِهِ . وقُبْحُ تورّدِهِ . فقلتُ لهُ بلِسانِ الأنَفَةِ . وإدْلالِ المعرِفَةِ : ألمْ يأنِ لكَ يا شيخَنا . أنْ تُقلِعَ عنِ الخَنا ؟ فتضَجّرَ وزمْجَرَ . وتنكّرَ وفكّرَ . ثمّ قال : إنّها ليلَةُ مِراحٍ لا تَلاحٍ . ونُهْزَةُ شُرْبِ راحٍ لا كِفاحٍ .
فعَدِّ عمّا بَدا . إلى أنْ نتَلاقَى غَدا . ففارَقْتُه فرَقاً منْ عربَدَتِه . لا تعلُّقاً بعِدّتِه . وبِتُّ ليلَتي لابِساً حِدادَ النّدَمِ . على نقْلي خُطَى القدَمِ . إلى ابنَةِ الكرْمِ لا الكرَمِ . وعاهدْتُ اللهَ سُبحانَهُ وتعالى أن لا أحضُر بعدَها حانَةَ نَبّاذٍ . ولو أُعطيتُ مُلكَ بغداذٍ . وأنْ لا أشهدَ معصَرَةَ الشّرابِ . ولو رُدّ عليّ عصْرُ الشّبابِ . ثمّ إنّنا رحّلْنا العِيسَ . وقتَ التّغليسِ . وخلّيْنا بينَ الشيّخَينِ أبي زيدٍ وإبليسَ .










مصادر و المراجع :

١- مقامات الحريري

المؤلف: القاسم بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد الحريري البصري (المتوفى: 516 هـ)

دار النشر: دار الكتاب اللبناني - بيروت - 1981

الطبعة: الأولى

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید