المنشورات

المقامة السِّنْجاريّة

حكى الحارثُ بنُ همّامٍ قال : قفَلتُ ذاتَ مرّةٍ منَ الشامِ . أنحو مدينةَ السّلامِ . في ركبٍ من بني نُمَيرٍ . ورُفقَةٍ أولي خيرٍ ومَيرٍ . ومعَنا أبو زيدٍ السّروجيُّ عُقلَةُ العَجْلانِ . وسَلْوَةُ الثّكْلانِ . وأُعجوبَةُ الزّمانِ . والمُشارُ إليْهِ بالبَنانِ . في البَيانِ . فصادَفَ نزولُنا سِنْجارَ . أنْ أوْلَمَ بها أحدُ التّجارِ . فدَعا إلى مأدُبَتِه الجَفلى . من أهلِ الحضارةِ والفَلا . حتى سرَتْ دعوتُهُ إلى القافِلَةِ . وجمَعَ فيها بينَ الفَريضةِ والنّافِلَةِ . فلمّا أجَبْنا مُنادِيَهُ . 
وحللْنا نادِيَهُ . أحضَرَ منْ أطعِمَةِ اليدِ واليَدَيْنِ . ما حَلا في الفَمِ وحَليَ بالعَينِ . ثمّ قدّمَ جاماً كأنّما جُمّدَ من الهَواء . أو جُمِعَ منَ الهَباء . أو صِيغَ منْ نورِ الفضاء . أو قُشِرَ منَ الدُرّةِ البيضاء . وقد أودِعَ لَفائِفَ النّعيمِ . وضُمّخَ بالطّيبِ العَميمِ . وسيقَ إليْهِ شِرْبٌ منْ تسْنيمٍ . وسفَرَ عنْ مرْأًى وسيمٍ . وأرَجِ نَسيمٍ . فلمّا اضطَرَمَتْ بمحْضَرِهِ الشّهَواتُ . وقرِمَتْ إلى مخْبَرِهِ اللّهَواتُ . وشارَفَ أنْ تُشَنّ على سِرْبِهِ الغاراتُ . ويُنادَى عندَ نهْيِهِ : يا للثّاراتِ نشَزَ أبو زيدٍ كالمجْنونِ . وتباعَدَ عنهُ تباعُدَ الضّبّ منَ النّونِ . فراوَدناهُ على أن يعودَ . وأنْ لا يكونَ كقُدارٍ في ثمودَ . فقال : والذي يُنشِرُ الأمْواتَ منَ الرِّجامِ . لا عُدْتُ دونَ رفْعِ الجامِ . 
فلمْ نجِدْ بُدّاً منْ تألُّفِهِ . وإبْرارِ حَلِفِهِ . فأشَلْناهُ والعُقولُ معَهُ شائِلَةٌ . والدّموعُ علَيْهِ سائِلَةٌ . فلمّا فاءَ إلى مجْثمِهِ . وخلَصَ منْ مأثَمِهِ . سألناهُ لمَ قامَ . ولأيّ معنًى استرْفَعَ الجامَ ؟ فقال : إنّ الزّجاجَ نَمّامٌ . وإني آليتُ مُذْ أعوامٍ . أنْ لا يضُمّني ونموماً مَقامٌ . فقُلنا لهُ : وما سبَبُ يَمينِكَ الصِّرّى . وألِيّتِكَ الحرّى ؟ فقال : إنهُ كانَ لي جارٌ لسانُهُ يتقرّبُ . وقلبُهُ عقْرَبٌ . ولفظُهُ شهدٌ ينقَعُ . وخَبْؤهُ سمٌ منقَعٌ . فمِلْتُ لمُجاورَتِهِ . إلى مُحاورَتِهِ . واغتَرَرْتُ بمُكاشَرَتِهِ . في مُعاشرَتِهِ . واستهْوَتْني خُضرَةُ دمْنَتِهِ . لمُنادَمَتِهِ . وأغرَتْني خُدْعَةُ سمَتِهِ . بمُناسمَتِهِ . فمازَجْتُهُ وعندي أنّهُ جارٌ مُكاسرٌ . فبانَ أنّهُ عُقابٌ كاسِرٌ . وأنَسْتُهُ على أنهُ حِبٌ مؤانِسٌ . فظهرَ أنهُ حُبابٌ مؤالِسٌ . ومالحْتُهُ ولا أعلَمُ أنهُ عندَ نقْدِهِ . ممّنْ يُفرَحُ بفَقْدِه . وعاقرْتُهُ ولم أدْرِ أنهُ بعدَ فرّهِ . ممّنْ يُطرَبُ لمَفرّهِ .
وكانتْ عندي جاريةٌ . لا يوجَدُ لها في الجَمالِ مُجاريَةٌ . إنْ سفرَتْ خجِلَ النّيِّرانِ . وصَلِيَتِ القُلوبُ بالنّيرانِ . وإنْ بسَمَتْ أزْرَتْ بالجُمانِ . وبيعَ المرْجانُ . بالمجّانِ . وإنْ رنَتْ هيّجَتِ البلابِلَ . وحقّقَتْ سحْرَ بابِلَ . وإنْ نطقَتْ عقَلَتْ لُبّ العاقِلِ . واستنْزَلَتِ العُصْمَ من المعاقِلِ . وإنْ قرأتْ شفَتِ المفْؤودَ . وأحيَتِ الموؤودَ . وخِلْتَها أُوتِيَتْ منْ مَزاميرِ آلِ داودَ . وإنْ غنّتْ ظلّ معبَدٌ لها عبْداً . وقيلَ : سُحْقاً لإسْحَقَ وبُعْداً وإنْ زمرَتْ أضحى زُنامٌ عندَها زَنيماً . بعدَ أن كان لجيلِهِ زعيماً . وبالإطْرابِ زعيماً . وإنْ رقصَتْ أمالَتِ العَمائِمَ عنِ الرؤوسِ . وأنستْكَ رقْصَ الحبَبِ في الكؤوسِ . فكُنتُ أزدَري معَه حُمْرَ النَّعَمِ . وأُحَلّي بتمَلّيها جيدَ النِّعَمِ . وأحْجُبُ مرْآها عنِ الشّمسِ والقمَرِ . وأذودُ ذِكْراها عنْ شرائِعِ السّمَرِ . وأنا معَ ذلِكَ أُليحُ . منْ أن تسْري برَيّاها ريحٌ . أو يَكهُنَ بها سَطيحٌ . أو ينمّ علَيْها برْقٌ مُليحٌ . فاتّفَقَ لوشْلِ الحظّ المبْخوسِ . ونكْدِ الطّالِعِ المنْحوسِ . أنْ أنْطَقَتْني بوصْفِها حُمَيّا المُدامِ . عندَ الجارِ النّمّامِ . ثمّ ثابَ الفهْمُ . بعدَ أن صرِدَ السّهْمُ . فأحسَسْتُ الخبالَ والوَبالَ . وضَيعَةَ ما أُودِعَ ذلِكَ الغِرْبالُ . بيدَ أني عاهدْتُهُ على عكْمِ ما لفظْتُهُ . وأنْ يحفَظَ السّرَّ ولوْ أحفَظْتُهُ . فزعَمَ أنهُ يخزُنُ الأسرارَ . كما يخزُنُ اللّئيمُ الدّينارَ . وأنهُ لا يهتِكُ الأسْتارَ . ولو عُرِّضَ لأنْ يلِجَ النارَ . فما إنْ غبَرَ على ذلِكَ الزّمانِ . إلا يومٌ أو يومانِ . حتى بَدا إلى أميرِ تِلكَ المَدَرَةِ . وواليها ذي المَقدُرةِ . أنْ يقصِدَ بابَ قَيلِهِ . مجدِّداً عرْضَ خيلِهِ . ومُستَمطِراً عارِضَ نيلِهِ . وارْتادَ أنْ تصحَبَهُ تُحْفَةٌ تُلائِمُ هواهُ . ليُقدّمَها بينَ يدَيْ نجْواهُ . وجعلَ يبذُلُ الجعائلَ لروّادِهِ . ويُسنّي المراغِبَ لمَنْ يُظْفِرُهُ بمُرادِهِ . فأسَفّ ذلِكَ الجارُ الختّارُ إلى بُذولِهِ . وعصى في ادّراغِ العارِ عذْلِ عَذولِهِ . فأتى الوالي ناشِراً أذُنَيْهِ . وأبثّهُ ما كُنتُ أسرَرْتُهُ إليْهِ . فما راعَني إلا انسِيابُ صاغِيَتِه إليّ . وانثِيالُ حفَدَتِهِ عليّ . يَسومُني إيثارَهُ بالدُرّةِ اليَتيمةِ . على أنْ أتحكّمَ عليْهِ في القِيمةِ . فغَشِيَني منَ الهمّ . ما غشِيَ فِرعَونَ وجنودَهُ منَ اليَمّ . ولمْ أزلْ أدافِعُ عنها ولا يُغْني الدّفاعُ . وأستَشفِعُ إليْهِ ولا يُجْدي الاستِشْفاعُ . وكلّما رأى منّي ازدِيادَ الاعْتِياصِ . وارتِيادَ المَناصِ . تجرّمَ وتضرّمَ . وحرّقَ عليّ الأُرَّمَ . ونفْسي معَ ذلِكَ لا تسمَحُ بمُفارَقَةِ بدْري . ولا بأنْ أنزِعَ قلْبي منْ صدري . حتى آلَ الوَعيدُ إيقاعاً . والتّقريعُ قِراعاً . فقادَني الإشْفاقُ منَ الحَينِ . إلى أن قِضْتُهُ سوادَ العَينِ . بصُفرةِ العَينِ . ولم يحْظَ الواشي بغيرِ الإثْمِ والشَّينِ . فعاهدتُ اللهَ تَعالى مُذْ ذلِك العهْدِ . أنْ لا أُحاضِرَ نمّاماً منْ بعْدُ . والزّجاجُ مخصوصٌ بهذِه الطّباعِ الذّميمةِ . وبهِ يُضرَبُ المثَلُ في النّميمةِ . فقدْ جرى عليْهِ سيْلُ يميني . ولذلِكُمُ السّببِ لمْ تمْتَدّ إلَيْهِ يَميني : لِهِ . مجدِّداً عرْضَ خيلِهِ . ومُستَمطِراً عارِضَ نيلِهِ . وارْتادَ أنْ تصحَبَهُ تُحْفَةٌ تُلائِمُ هواهُ . ليُقدّمَها بينَ يدَيْ نجْواهُ . وجعلَ يبذُلُ الجعائلَ لروّادِهِ . ويُسنّي المراغِبَ لمَنْ يُظْفِرُهُ بمُرادِهِ . فأسَفّ ذلِكَ الجارُ الختّارُ إلى بُذولِهِ . وعصى في ادّراغِ العارِ عذْلِ عَذولِهِ . فأتى الوالي ناشِراً أذُنَيْهِ . وأبثّهُ ما كُنتُ أسرَرْتُهُ إليْهِ . فما راعَني إلا انسِيابُ صاغِيَتِه إليّ . وانثِيالُ حفَدَتِهِ عليّ . يَسومُني إيثارَهُ بالدُرّةِ اليَتيمةِ . على أنْ أتحكّمَ عليْهِ في القِيمةِ . فغَشِيَني منَ الهمّ . ما غشِيَ فِرعَونَ وجنودَهُ منَ اليَمّ . ولمْ أزلْ أدافِعُ عنها ولا يُغْني الدّفاعُ . وأستَشفِعُ إليْهِ ولا يُجْدي الاستِشْفاعُ . وكلّما رأى منّي ازدِيادَ الاعْتِياصِ . وارتِيادَ المَناصِ . تجرّمَ وتضرّمَ . وحرّقَ عليّ الأُرَّمَ . ونفْسي معَ ذلِكَ لا تسمَحُ بمُفارَقَةِ بدْري . ولا بأنْ أنزِعَ قلْبي منْ صدري . حتى آلَ الوَعيدُ إيقاعاً . والتّقريعُ قِراعاً . فقادَني الإشْفاقُ منَ الحَينِ . إلى أن قِضْتُهُ سوادَ العَينِ . بصُفرةِ العَينِ . ولم يحْظَ الواشي بغيرِ الإثْمِ والشَّينِ . فعاهدتُ اللهَ تَعالى مُذْ ذلِك العهْدِ . أنْ لا أُحاضِرَ نمّاماً منْ بعْدُ . والزّجاجُ مخصوصٌ بهذِه الطّباعِ الذّميمةِ . وبهِ يُضرَبُ المثَلُ في النّميمةِ . فقدْ جرى عليْهِ سيْلُ يميني . ولذلِكُمُ السّببِ لمْ تمْتَدّ إلَيْهِ يَميني :
فلا تعذِلوني بعدَما قد شرحتُهُ . . . على أنْ حُرِمْتمْ بي اقتِطافَ القطائِفِ
فقد بانَ عُذري في صَنيعي وإنّني . . . سأرْتُقُ فَتقي من تَليدي وطارِفي
على أنّ ما زوّدْتُكُمْ من فُكاهَةٍ . . . ألذُّ من الحُلْوى لدَى كل عارِفِ قال الحارثُ بنُ همّامٍ : فقبِلْنا اعتِذارَهُ . وقبّلنا عِذارَهُ . وقُلْنا لهُ : قِدْماً وقذَتِ النّميمةُ خيرَ البشَرِ . حتى انتشَرَ عنْ حمّالةِ الحطبِ ما انتشَرَ . ثمّ سألْناهُ عما أحدَثَ جارُهُ القَتّاتُ . ودُخْلُلُهُ المُفْتاتُ . بعدَ أن راشَ لهُ نبْلَ السّعايَةِ . وجذَمَ حبْلَ الرّعايةِ . فقال : أخذَ في الاستِخْداء والاستِكانَةِ . والاستِشْفاعِ إليّ بذَوي المكانةِ . وكنتُ حرّجتُ على نفسي . أنْ لا يستَرْجِعَهُ أُنْسي . أو يرْجِع إليّ أمْسي . فلمْ يكُنْ لهُ مني سِوى الردّ . والإصْرارِ على الصّدّ . وهوَ لا يكتَئِبُ منَ النّجْهِ . ولا يتّئِبُ منْ وقاحةِ الوجهِ . بلْ يُلِطّ بالوَسائِلِ . ويُلحّ في المسائِلِ . فما أنقذَني منْ إبْرامِهِ . ولا أبْعَدَ عليْهِ نَيْلَ مَرامِهِ . إلا أبياتٌ نفثَ بها الصّدرُ الموتورُ . والخاطرُ المبْتورُ . فإنّها كانتْ مَدْحَرَةً لشيطانِهِ . ومسجَنَةً لهُ في أوطانِهِ . وعندَ انتِشارِها بتّ طَلاقَ الحُبورِ . ودَعا بالويْلِ والثّبورِ . ويَئِسَ منْ نشْرِ وصْلي المقْبورِ . كم يئِسَ الكُفّارُ منْ أصحابِ القُبورِ . فناشَدْناهُ أنْ يُنشِدَنا إيّاها . ويُنشِقنا ريّاها . فقال : أجَلْ . خُلِقَ الإنسانُ منْ عجَلٍ . ثمّ أنشدَ لا يَزْويهِ خجَلٌ . ولا يثْنيهِ وجَلٌ :
ونَديمٍ محَضْتُهُ صِدْقَ ودّي . . . إذْ توهّمْتُهُ صَديقاً حَميما
ثمّ أولَيتُهُ قَطيعةَ قالٍ . . . حينَ ألفَيتُهُ صَديداً حَميما
خِلتُهُ قبلَ أنْ يجرَّبَ إلْفاً . . . ذا ذِمامٍ فبانَ جِلْفاً ذَميما
وتخيّرْتُهُ كليماً فأمْسى . . . منهُ قلْبي بما جَناهُ كَليما
وتظنّيْتُهُ مُعيناً رَحيماً . . . فتبيّنتُهُ لَعيناً رَجيما
وتراءَيْتُهُ مُريداً فجلّى . . . عنهُ سَبْكي لهُ مَريداً لَئيما
وتوسّمْتُ أنْ يهُبّ نَسيماً . . . فأبى أن يهُبّ إلا سَموما
بِتُّ من لسْعِهِ الذي أعجزَ الرّا . . . قي سَليماً وباتَ مني سَليما
وبَدا نهجُهُ غَداةَ افترَقْنا . . . مُستَقيماً والجسمُ مني سَقيما
لم يكنْ رائِعاً خَصيباً ولكِنْ . . . كان بالشرّ رائِعاً لي خَصيما
قلتُ لمّا بلَوْتُهُ ليتَهُ كا . . . نَ عديماً ولمْ يكُنْ لي نَديما
بغّضَ الصّبْحَ حينَ نمّ إلى قلْ . . . بي لأنّ الصّباحَ يُلْفى نَموما
ودَعاني إلى هوَى الليلِ إذْ كا . . . نَ سوادُ الدُجى رَقيباً كَتوما
وكفى مَنْ يَشي ولوْ فاهَ بالصّدْ . . . قِ أثاماً فيما أتاهُ ولوما قال : فلمّا سمِعَ ربُّ البيتِ قَريضَهُ وسجْعَهُ . واستمْلَحَ تقريظَهُ وسبْعَهُ . بوّأهُ مِهادَ كرامَتِهِ . وصدّرَهُ على تكرِمتِهِ . ثم استحْضَرَ عشْرَ صِحافٍ منَ الغرَبِ . فيها حَلْواءُ القَنْدِ والضّرْبِ . وقال لهُ : لا يستَوي أصحابُ النّارِ وأصحابُ الجَنّةِ . ولا يسَعُ أنْ يُجعَلَ البَريءُ كذي الظِّنّةِ . وهذهِ الآنِيةُ تتنزّلُ منزلَةَ الأبْرارِ . في صوْنِ الأسْرارِ . فلا تولِها الإبْعادَ . ولا تُلحِقْ هوداً بعادَ . ثم أمر خادمَهُ بنقْلِها إلى مثْواهُ . ليحْكُمَ فيها بما يهْواهُ . فأقبلَ عليْنا أبو زيدٍ وقال : اقرأوا سورةَ الفتْحِ . وأبشِروا باندِمالِ القرْحِ . فقدْ جبرَ اللهُ ثُكْلَكُمْ . وسنّى أكْلكُمْ . وجمعَ في ظِلّ الحَلْواء شمْلَكُمْ . وعسَى أنْ تكرَهوا شيئاً وهوَ خيرٌ لكُمْ . ولمّا همّ بالانصِرافِ . مالَ إلى استِهداء الصِّحافِ .
فقال للآدِبِ : إنّ من دلائِلِ الظّرْفِ . سماحَةَ المُهدي بالظّرْفِ . فقال : كلاهُما لكَ والغُلمُ . فاحذِفِ الكلامَ . وانهضْ بسَلامٍ . فوثبَ في الجوابِ . وشكرَهُ شُكْرَ الرّوضِ للسّحابِ . ثمّ اقْتادَنا أبو زيْدٍ إلى حِوائِهِ . وحكّمَنا في حَلْوائهِ . وجعلَ يقلّبُ الأواني بيَدِهِ . ويفُضّ عدَدَها على عدَدِه . ثمّ قال : لستُ أدري أأشكو ذلِك النّمّامَ أم أشكُرُ . وأتناسَى فَعْلَتَهُ التي فعلَها أم أذكُرُ ؟ فإنهُ وإنْ كان أسْلَفَ الجريمَةَ . ونمْنَمَ النّميمَةَ . فمِنْ غيمِهِ انهلّتْ هذِهِ الدّيمَةُ . وبسيفِهِ انحازَتْ هذه الغَنيمةُ . وقد خطرَ ببالي . أن أرْجِعَ إلى أشْبالي . وأقنَعَ بما تسنّى لي . وأنْ لا أُتعِبَ نفْسي ولا أجْمالي . وأنا أودّعُكُمْ وداعَ مُحافِظٍ . وأستودِعُكُمْ خيرَ حافِظٍ . ثمّ اسْتَوى على راحِلَتِهِ . راجِعاً في حافرَتِه . ولاوِياً إلى زافِرَتِهِ . فغادَرَنا بعدَ أنْ وخدَتْ عنْسُهُ . وزايَلَنا أُنْسُهُ . كدَسْتٍ غابَ صدرُهُ . أو ليلٍ أفَلَ بدْرُهُ .












مصادر و المراجع :

١- مقامات الحريري

المؤلف: القاسم بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد الحريري البصري (المتوفى: 516 هـ)

دار النشر: دار الكتاب اللبناني - بيروت - 1981

الطبعة: الأولى

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید