المنشورات

المقامة السّمَرْقَنديّة

أخبرَ الحارثُ بنُ همّامٍ قال : استَبْضَعْتُ في بعضِ أسْفاريَ القَنْدَ . وقصدْتُ سمَرْقَنْدَ . وكنتُ يومَئِذٍ قَويمَ الشّطاطِ . جَمومَ النّشاطِ . أرْمي عنْ قوْسِ المِراحِ . إلى غرَضِ الأفْراحِ . وأسْتَعينُ بماء الشّبابِ . على ملامِحِ السّرابِ . فوافَيْتُها بُكْرَةَ عَروبَةَ . بعْدَ أن كابَدتُ الصّعوبَةَ . فسَعَيْتُ وما ونَيْتُ . إلى أنْ حصَلَ البيْتُ . فلمّا نقَلْتُ إليْهِ قَنْدي . وملكْتُ قوْلَ عِندي . عُجْتُ إلى الحَمّامِ على الأثرِ . فأمَطْتُ عني وعْثاءَ السّفرِ . وأخذْتُ في غُسْلِ الجُمْعَةِ بالأثَرِ . ثمّ بادَرْتُ في هَيْئَةِ الخاشعِ .
إلى مسجِدِها الجامِعِ . لألْحَقَ بمَنْ يَقْرُبُ منَ الإمامِ . ويقرِّبُ أفضَلَ الأنْعامِ . فحَظيتُ بأنْ جلّيْتُ في الحَلْبَةِ . وتخيّرْتُ المركَزَ لاستِماعِ الخُطبةِ . ولم يزَلِ النّاسُ يدخُلونَ في دينِ اللهِ أفْواجاً . ويرِدونَ فُرادَى وأزْواجاً . حتى إذا اكْتَظّ الجامِعُ بحفْلِهِ . وأظَلّ تَساوي الشّخْصِ وظِلّهِ . برزَ الخَطيبُ في أُهْبَتِهِ . مُتهادِياً خلْفَ عُصبَتِهِ . فارْتَقى في مِنبَرِ الدّعوةِ . إلى أن مثَلَ بالذّروَةِ . فسلّمَ مُشيراً باليَمينِ . ثم جلَسَ حتى خُتِمَ نظْمُ التأذينِ . ثمّ قامَ وقال : الحمدُ للهِ الممْدوحِ الأسْماء . المحْمودِ الآلاء . الواسعِ العَطاء . المدْعُوّ لحَسْمِ اللأواء . مالِكِ الأمَمِ . ومصوِّرِ الرّمَمِ . وأهْلِ السّماحِ والكرَمِ . ومُهلِكِ عادٍ وإرَمَ . أدْرَكَ كلَّ سِرٍ عِلمهُ . ووَسِعَ كلَّ مُصِرٍ حِلمُهُ . وعَمّ كلَّ عالَمٍ طَوْلُهُ . وهدّ كلَّ ماردٍ حولُهُ . أحمَدُهُ حمْدَ موَحِّدٍ مُسلِمٍ . وأدعوهُ دُعاءَ مؤمِّلٍ مسَلِّمٍ . وهوَ اللهُ لا إلهَ إلا هوَ الواحِدُ الأحَدُ . العادِلُ الصّمَدُ . لا ولَدَ له ولا والِد . ولا رِدْءَ معَه ولا مُساعِد . أرسَلَ محمّداً للإسْلامِ ممَهِّداً . وللمِلّةِ موطِّداً . ولأدِلّةِ الرّسُلِ مؤكِّداً . وللأسْوَدِ والأحْمَرِ مُسَدِّداً . وصَلَ الأرْحامَ . وعلّمَ الأحْكامَ . ووسَمَ الحَلالَ والحَرامَ . ورسَمَ الإحْلالَ والإحْرامَ . كرّمَ اللهُ محَلَّهُ . وكمّلَ الصّلاةَ والسّلامَ لهُ . ورحِمَ آلَهُ الكُرَماء . وأهلَهُ الرُحَماء . ما همَرَ رُكامٌ . وهدَرَ حَمامٌ . وسرَحَ سَوامٌ . وسَطا حُسامٌ . اعْمَلوا رَحِمَكُمُ اللهُ عمَلَ الصُلَحاء . واكْدَحوا لمَعادِكُمْ كدْحَ الأصِحّاء . وارْدَعوا أهْواءكُمْ ردْعَ الأعْداء . وأعِدّوا للرّحلَةِ إعدادَ السُعَداء . وادّرِعوا حُلَلَ الورَعِ . وداوُوا عِلَلَ الطّمَعِ . وسوّوا أوَدَ العمَلِ . وعاصُوا وساوِسَ الأمَلِ . وصوّروا لأوْهامِكُمْ حُؤولَ الأحْوالِ . وحُلولَ الأهْوال . ومُسوَرَةَ الأعْلالِ . ومُصارَمَةَ المالِ والآلِ . وادّكِروا الحِمامَ وسَكْرَةَ مصْرَعِهِ . والرّمْسَ وهوْلَ مُطّلَعِهِ . واللّحْدَ ووحْدَةَ مودَعِهِ . والمَلَكَ وروْعَةَ سؤالِهِ ومَطْلَعِهِ . والمَحوا الدّهْرَ ولؤمَ كَرّهِ . وسوءَ مِحالِهِ ومَكْرِهِ . كمْ طمَسَ مَعلَماً . وأمرّ مطْعَماً . وطحْطَحَ عرَمْرَماً . ودمّرَ ملِكاً مُكَرَّماً . همُّهُ سكُّ المسامِعِ . وسحُّ المَدامِعِ . وإكْداءُ المطامعِ . وإرْداءُ المُسمِعِ والسّامِعِ . عمّ حُكمُهُ المُلوكَ والرَّعاعَ . والمَسودَ والمُطاعَ . والمحْسودَ والحُسّادَ . والأساوِدَ والآسادَ . ما موّلَ إلا مالَ . وعكَسَ الآمالَ . وما وصَلَ إلا وصالَ . وكلَمَ الأوْصالَ . ولا سَرّ إلا وساء . ولَؤمَ وأساء . ولا أصَحّ إلا ولّدَ الدّاءَ . ورَوّعَ الأوِدّاء . اللهَ اللهَ . رَعاكُمُ اللهُ إلامَ مُداومَةُ اللّهْوِ . ومُواصَلَةُ السّهْوِ ؟ وطولُ الإصْرارِ . وحمْلُ الآصارِ ؟ واطّراحُ كَلامِ الحُكَماء . ومُعاصاةُ إلهِ السّماء ؟ أمَا الهَرَمُ حصادُكُمْ . والمَدَرُ مِهادُكُمْ أمَا الحِمامُ مُدرِكُكُمْ . والصّراطُ مَسلَكُكُمْ أمَا الساعَةُ موعِدُكُكمْ . والساهِرةُ مورِدُكُمْ أمَا أهْوالُ الطّامّةِ لكُمْ مُرصَدَةٌ . أمَا دارُ العُصاةِ الحُطَمَةُ المؤصَدَةُ حارِسُهُمْ مالِكٌ . ورواؤهُمْ حالِكٌ . وطَعامُهُمْ السّمومُ . وهواؤهُمُ السَّمومُ . لا مالَ أسعدَهُمْ ولا ولَدَ . ولا عدَدَ حَماهُمْ ولا عُدَدَ . ألا رَحِمَ اللهُ امْرَأً ملكَ هَواهُ . وأمَّ مسالِكَ هُداهُ . وأحْكَمَ طاعَةَ موْلاهُ . وكدَحَ لرَوحِ مَأواهُ . وعمِلَ ما دامَ العُمرُ مُطاوِعاً . والدهْرُ مُوادِعاً . والصّحةُ كامِلَةً . والسّلامَةُ حاصِلَةً . وإلا دهَمَهُ عدَمُ المَرامِ .
وحصَرُ الكَلامِ . وإلمامُ الآلامِ . وحُمومُ الحِمامِ . وهُدُوُّ الحَواسّ . ومِراسُ الأرْماسِ . آهاً لها حسْرَةً ألَمُها مؤكّدٌ . وأمَدُها سَرْمَدٌ . ومُمارِسُها مُكمَدٌ ما لوَلَهِهِ حاسِمٌ . ولا لسَدمِهِ راحِمٌ . ولا لهُ ممّا عَراهُ عاصمٌ ألْهَمَكُمُ اللهُ أحمَدَ الإلْهامِ . وردّاكُمْ رِداءَ الإكْرامِ . وأحلّكُمْ دارَ السّلامِ وأسألُهُ الرحْمَةَ لكُمْ ولأهلِ مِلّةِ الإسلامِ . وهوَ أسمَحُ الكِرامِ . والمُسَلِّمُ والسّلامُ . قال الحارثُ بنُ همّامٍ : فلمّا رأيتُ الخُطبَةَ نُخبةً بلا سَقَطٍ . وعَروساً بغيرِ نُقَطٍ . دَعاني الإعجابُ بنمَطِها العَجيبِ . إلى استِجْلاء وجْهِ الخَطيبِ . فأخَذْتُ أتوَسّمهُ جِدّاً . وأقلّبُ الطّرْفَ فيهِ مُجِدّاً . إلى أنْ وضحَ لي بصِدْقِ العلاماتِ . أنه شيخُنا صاحِبُ المَقاماتِ . ولم يكُنْ بُدٌّ منَ الصّمتِ . في ذلِك الوقْتِ . فأمسَكْتُ حتى تحلّلَ منْ الفَرْضِ . وحلّ الانتِشارُ في الأرضِ . ثمّ واجهْتُ تِلقاءهُ . وابتَدَرْتُ لِقاءَهُ . فلما لحظَني خفّ في القِيامِ . وأحْفى في الإكْرامِ . ثمّ استَصْحَبَني إلى دارِه . وأوْدَعَني خصائِصَ أسْرارِه . وحينَ انتشَر جَناحُ الظّلامِ . وحانَ ميقاتُ المَنامِ . أحضرَ أباريقَ المُدامِ . معكومَةً بالفِدامِ . فقلتُ : أتَحْسوها أمامَ النّومِ . وأنتَ إمامُ القوْمِ ؟ فقال : مَهْ أنا بالنّهارِ خطيبٌ . وباللّيْلِ أطِيبُ فقلتُ : واللهِ ما أدْري أأعْجَبُ من تسَلّيكَ عنْ أُناسِكَ . ومسقَطِ راسِكَ . أم منْ خِطابَتِكَ مع أدناسِكَ . ومَدارِ كاسِكَ ؟ فأشاحَ بوجهِهِ عني . ثم قال اسمَعْ مني : رُ مُطاوِعاً . والدهْرُ مُوادِعاً . والصّحةُ كامِلَةً . والسّلامَةُ حاصِلَةً . وإلا دهَمَهُ عدَمُ المَرامِ . وحصَرُ الكَلامِ . وإلمامُ الآلامِ . وحُمومُ الحِمامِ . وهُدُوُّ الحَواسّ . ومِراسُ الأرْماسِ . آهاً لها حسْرَةً ألَمُها مؤكّدٌ . وأمَدُها سَرْمَدٌ . ومُمارِسُها مُكمَدٌ ما لوَلَهِهِ حاسِمٌ . ولا لسَدمِهِ راحِمٌ . ولا لهُ ممّا عَراهُ عاصمٌ ألْهَمَكُمُ اللهُ أحمَدَ الإلْهامِ . وردّاكُمْ رِداءَ الإكْرامِ . وأحلّكُمْ دارَ السّلامِ وأسألُهُ الرحْمَةَ لكُمْ ولأهلِ مِلّةِ الإسلامِ . وهوَ أسمَحُ الكِرامِ . والمُسَلِّمُ والسّلامُ . قال الحارثُ بنُ همّامٍ : فلمّا رأيتُ الخُطبَةَ نُخبةً بلا سَقَطٍ . وعَروساً بغيرِ نُقَطٍ . دَعاني الإعجابُ بنمَطِها العَجيبِ . إلى استِجْلاء وجْهِ الخَطيبِ . فأخَذْتُ أتوَسّمهُ جِدّاً . وأقلّبُ الطّرْفَ فيهِ مُجِدّاً . إلى أنْ وضحَ لي بصِدْقِ العلاماتِ . أنه شيخُنا صاحِبُ المَقاماتِ . ولم يكُنْ بُدٌّ منَ الصّمتِ . في ذلِك الوقْتِ . فأمسَكْتُ حتى تحلّلَ منْ الفَرْضِ . وحلّ الانتِشارُ في الأرضِ . ثمّ واجهْتُ تِلقاءهُ . وابتَدَرْتُ لِقاءَهُ . فلما لحظَني خفّ في القِيامِ . وأحْفى في الإكْرامِ . ثمّ استَصْحَبَني إلى دارِه . وأوْدَعَني خصائِصَ أسْرارِه . وحينَ انتشَر جَناحُ الظّلامِ . وحانَ ميقاتُ المَنامِ . أحضرَ أباريقَ المُدامِ . معكومَةً بالفِدامِ . فقلتُ : أتَحْسوها أمامَ النّومِ . وأنتَ إمامُ القوْمِ ؟ فقال : مَهْ أنا بالنّهارِ خطيبٌ . وباللّيْلِ أطِيبُ فقلتُ : واللهِ ما أدْري أأعْجَبُ من تسَلّيكَ عنْ أُناسِكَ . ومسقَطِ راسِكَ . أم منْ خِطابَتِكَ مع أدناسِكَ . ومَدارِ كاسِكَ ؟ فأشاحَ بوجهِهِ عني . ثم قال اسمَعْ مني :
لا تبْكِ إلْفاً نأى ولا دارا . . . ودُرْ مع الدّهرِ كيفَما دارا
واتّخِذِ الناسَ كُلّهُمْ سكَناً . . . ومثّلِ الأرضَ كلّها دارا
واصْبِرْ على خُلْقِ مَنْ تُعاشِرُهُ . . . ودارِهِ فاللّبيبُ منْ دارى
ولا تُضِعْ فُرصَةَ السّرورِ فما . . . تدْري أيَوْماً تعيشُ أمْ دارا
واعْلَمْ بأنّ المَنونَ جائِلَةٌ . . . وقدْ أدارَتْ على الوَرى دارا
وأقسَمَتْ لا تَزالُ قانِصَةً . . . ما كرّ عَصرا المَحْيا وما دارا
فكيفَ تُرْجى النّجاةُ من شرَكٍ . . . لم ينْجُ منهُ كِسْرى ولا دارا قال : فلمّا اعْتَوَرتْنا الكُؤوسف . وطرِبَتِ النّفوسُ . جرّعَني اليَمينَ الغَموسَ . على أنْ أحفظَ عليْهِ الناموسَ . فاتّبعْتُ مَرامَهُ . ورعيْتُ ذِمامَهُ . ونزّلْتُهُ بينَ الملإ منزِلَةَ الفُضَيْلِ . وسدَلْتُ الذّيْلَ .
على مَخازي اللّيْلِ . ولمْ يزَلْ ذلِكَ دأبَهُ ودَابي . إلى أنْ تهيّأ إيابي . فودّعْتُهُ وهوَ مصرٌّ على التّدْليسِ . ومُسِرٌّ حسْوَ الخَنْدَريسِ .













مصادر و المراجع :

١- مقامات الحريري

المؤلف: القاسم بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد الحريري البصري (المتوفى: 516 هـ)

دار النشر: دار الكتاب اللبناني - بيروت - 1981

الطبعة: الأولى

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید