المنشورات

المقامة الواسطية

حكى الحارثُ بنُ همّامٍ قال : ألْجأني حُكمُ دهْرٍ قاسِطٍ . إلى أنْ أنتَجِعَ أرضَ واسِطٍ . فقصَدْتُها وأنا لا أعرِفُ بها سكَناً . ولا أملِكُ فيها مسْكِناً . ولمّا حللْتُها حُلولَ الحوتِ بالبَيْداءِ . والشّعرَةِ البيضاء في اللِّمَةِ السّوداء . قادَني الحظُّ الناقِصُ . والجَدُّ النّاكِصُ . إلى خانٍ ينزِلُهُ شُذّاذُ الآفاقِ . وأخْلاطُ الرّفاقِ . وهوَ لنَظافَةِ مكانِهِ . وظَرافَةِ سكّانِهِ . يرَغّبُ الغَريبَ في إيطانِهِ . ويُنسِيهِ هوَى أوطانِهِ . فاستَفْرَدْتُ منهُ بحُجرَةٍ . ولمْ أُنافِسْ في أُجرَةٍ . فما كان إلا كلَمْحِ طرْفٍ . أو خطّ حرْفٍ . حتى سمِعتُ جاري بيْتَ بيْتَ . يقولُ لنَزيلِهِ في البيتِ : قُمْ يا بُنيّ لا قَعَدَ جَدُّكَ . ولا قامَ ضِدُّكَ . واستَصْحِبْ ذا الوجْهِ البَدْريّ . واللّوْنِ الدُرّيّ . والأصْلِ النّقيّ . والجسْمِ الشّقيّ . الذي قُبِضَ ونُشِرَ . وسُجِنَ وشُهِرَ . وسُقِيَ وفُطِمَ . وأُدْخِلَ النّارَ بعْدَما لُطِمَ . ثمّ ارْكُضْ بهِ إلى السّوقِ . ركْضَ المَشوقِ . فقايِضْ بهِ اللاّقِحَ المُلْقِحَ . المُفسِدَ المُصلِحَ . المُكْمِدَ المُفَرِّحَ . المُعَنّيَ المُروّحَ . ذا الزّفيرِ المُحرِقِ . والجَنينِ المُشرِقِ . واللّفْظِ المُقنِعِ . والنَّيْلِ المُمْتِعِ . الذي إذا طُرِقَ . رعَدَ وبرَقَ . وباحَ بالحُرَقِ . ونفَثَ في الخِرَقِ . قال : فلمّا قرّتْ شِقْشِقَةُ الهادِرِ . ولمْ يبْقَ إلا صدَرُ الصّادِرِ . برزَ فتًى يَميسُ . وما معَهُ أنيسٌ . فرأيتُها عُضْلَةً تلعَبُ بالعُقولِ . وتُغْري بالدّخولِ . في الفُضولِ . فانطلَقْتُ في أثَرِ الغُلامِ . لأخْبُرَ فحْوَى الكلامِ . فلمْ يزَلْ يسْعى سعْيَ العَفاريتِ . ويتفَقّدُ نضائِدَ الحوانيتِ . حتى انْتَهى عندَ الرّواحِ . إلى حِجارَةِ القَدّاحِ . فناوَلَ بائِعَها رَغيفاً . وتَناوَلَ منهُ حجَراً لَطيفاً . فعَجِبْتُ منْ فَطانَةِ المُرسِلِ والمُرسَلِ . وعلِمْتُ أنّها سَروجيّةٌ وإنْ لم أسْألْ . وما كذّبْتُ أنْ بادَرْتُ إلى الخانِ . منطَلِقَ العِنانِ . لأنظُرَ كُنْهَ فَهْمي . وهلْ قرْطَسَ في التّكهّنِ سَهْمي . فإذا أنا في الفِراسَةِ فارِسٌ . وأبو زيْدٍ بوَصيدِ الخانِ جالِسٌ . فتَهادَيْنا بُشْرى الالتِقاء . وتقارَضْنا تحيّةَ الأصْدِقاء . ثمّ قال : ما الذي نابَكَ . حتى زايَلْتَ جَنابَكَ ؟ فقلت : دهْرٌ هَ . وجَوْرٌ فاضَ فقال : والذي أنزَلَ المطرَ منَ الغَمامِ . وأخرَجَ الثّمرَ من الأكْمامِ . لقدْ فسَدَ الزّمانُ . وعمّ العُدْوانُ . وعُدِمَ المِعْوانُ . واللهُ المُستَعانُ . فكيفَ أفْلَتَّ . وعلى أيّ وصْفَيْكَ أجْفَلْتَ ؟ فقلتُ : اتّخَذْتُ الليْلَ قَميصاً . وأدْلَجْتُ فيهِ خَميصاً . فأطْرَقَ ينْكُتُ في الأرضِ . ويفكّرُ في ارتِيادِ القَرْضِ والفَرْضِ . ثمّ اهزّ هِزّةَ مَنْ أكْثَبَهُ قنَصٌ . أو بدَتْ لهُ فُرَصٌ . وقال : قد علِقَ بقَلْبي أن تُصاهِرَ منْ يأسو جِراحَكَ . ويَريشُ جَناحَكَ . فقلتُ : وكيفَ أجمَعُ بيَ غُلٍّ وقُلٍّ . ومنِ الذي يرْغَبُ في ضُلّ بنِ ضُلٍّ ؟ فقالَ : أنا المُشيرُ بكَ وإلَيْكَ . والوكيلُ لكَ وعليْكَ . معَ أنّ دينَ القوْمِ جبْرُ الكَسيرِ . وفكُّ الأسيرِ . واحتِرامُ العَشيرِ . واستِنْصاحُ المُشيرِ .
إلا أنهُمْ لوْ خطَبَ إلَيْهِمْ إبْراهيمُ بنُ أدهَمَ . أو جبَلَةُ بنُ الأيْهَمِ . لما زوّجوهُ إلا على خَمْسِمائَةِ دِرْهَمٍ . اقتِداءً بما مهَرَ الرّسولُ . صلّى اللهُ عليْهِ وسلّمَ . زوْجاتِهِ . وعقَدَ بهِ أنكِحَةَ بَناتِهِ . على أنّك لنْ تُطالَبَ بصَداقٍ . ولا تُلْجأ إلى طَلاقٍ . ثمّ إني سأخْطُبُ في موقِفِ عقْدِكَ . ومجْمَعِ حشْدِكَ . خُطبَةً لمْ تفتُقْ رَتْقَ سمْعٍ . ولا خُطِبَ بمِثلِها في جمْعٍ . قال الحارثُ بنُ همّامٍ : فازْدَهاني بوصْفِ الخُطْبَةِ المَتْلُوَّةِ . دونَ الخِطبَةِ المَجْلُوّةِ . حتى قُلتُ لهُ : قد وَكلْتُ إليْكَ هذا الخطْبَ . فدبّرْهُ تدْبيرَ منْ طَبّ لمَنْ حبّ . فنهضَ مُهَرْوِلاً . ثمّ عادَ متَهلّلاً . وقال : أبْشِرْ بإعْتابِ الدّهْرِ . واحْتِلابِ الدّرّ فقد وُلّيتُ العَقْدَ . وأُكفِلْتُ النّقْدَ . وكأنْ قدْ . ثمّ أخذَ في مُواعدَةِ أهلِ الخانِ . وإعْدادِ حَلْواء الخِوانِ . فلمّا مدّ اللّيلُ أطْنابَهُ . وأغْلَقَ كُلُّ ذي بابٍ بابَهُ . أذّنَ في الجَماعَةِ : ألا احْضُروا في هذهِ السّاعةِ فلمْ يبْقَ فيهِمْ إلا منْ لَبّى صوتَهُ . وحَضرَ بيْتَهُ . فلمّا اصْطَفّوا لدَيْهِ . واجتمَعَ الشاهِدُ والمشْهودُ علَيْهِ . جعلَ يرْفَعُ الأصْطُرْلابَ ويضَعُهُ . ويلْحَظُ التّقويمَ ويدَعهُ . إلى أن نعَسَ القوْمُ . وغشِيَ النّومُ . فقلْتُ لهُ : يا هَذا ضعِ الفاسَ في الرّاسِ . وخلّصِ النّاسَ منَ النّعاسِ . فنظَرَ نظْرَةً في النّجومِ . ثمّ انْتشَطَ منْ عُقلَةِ الوجومِ . وأقْسمَ بالطُّورِ . والكِتابِ المسْطورِ . ليَنْكَشِفَنّ سِرّ هَذا الأمْرِ المسْتورِ . ولَيَنْتَشِرَنّ ذِكْرُهُ إلى يوْمِ النُّشورِ . ثمّ إنّهُ جَثا على رُكْبَتِهِ . واستَرْعى الأسْماعَ لخُطْبَتِهِ . وقال : الحمدُ للهِ الملِكِ المحْمودِ . المالِكِ الوَدودِ . مُصَوّرِ كُلّ موْلودٍ . ومآلِ كلّ مطْرودٍ . ساطِحِ المِهدِ . وموَطِّدِ الأطْوادِ . ومُرْسِلِ الأمطارِ . ومسَهِّلِ الأوْطارِ . وعالِمِ الأسْرارِ ومُدْرِكِها . ومُدمِّرِ الأمْلاكِ ومُهْلِكِها . ومُكَوِّرِ الدّهورِ ومُكرِّرِها . ومُوردِ الأمورِ ومُصدِرِها . عمّ سَماحُهُ وكَملَ . وهطَلَ رُكامُهُ وهمَلَ . وطاوَعَ السّؤلَ والأمَلَ . وأوْسَعَ المُرْمِلَ والأرْمَلَ . أحْمَدُهُ حمْداً ممْدوداً مَداهُ . وأُوَحّدُهُ كما وحّدَهُ الأوّاهُ . وهوَ اللاهُ لا إلَهَ للأمَمِ سِواهُ . ولا صادِعَ لِما عدّلَهُ وسَوّاهُ . أرْسَلَ محمّداً علَماً للإسْلامِ . وإماماً للحُكّامِ . ومُسدِّداً للرَّعاعِ . ومعَطِّلاً أحْكامَ وُدٍّ وسُواعٍ . أعْلَمَ وعلّمَ .
وحكَمَ وأحْكَمَ . وأصّلَ الأصولَ ومهّدَ . وأكّدَ الوعودَ وأوْعَدَ . واصَلَ اللهُ لهُ الإكْرامَ . وأوْدَعَ روحَهُ دارَ السّلامِ . ورَحِمَ آلَهُ وأهْلَهُ الكِرامَ . ما لمَعَ آلٌ . وملَعَ رالٌ . وطلَعَ هِلالٌ . وسُمِعَ إهلالٌ . إعْمَلوا رعاكُمُ اللهُ أصلَحَ الأعْمالِ . واسْلُكوا مسالِكَ الحلالِ . واطّرِحوا الحَرامَ ودعوهُ . واسْمَعوا أمرَ اللهِ وعُوهُ . وصِلوا الأرْحامَ وراعوها . وعاصوا الأهْواءَ وارْدَعوها . وصاهِروا لُحَمَ الصّلاحِ والوَرَعِ . وصارِموا رهْطَ اللّهْوِ والطّمَعِ . ومُصاهِرُكُمْ أطْهَرُ الأحْرارِ مولِداً . وأسْراهُمْ سودَداً . وأحْلاهُمْ مَوْرِداً . وأصحّهم موْعِداً . وها هُوَ أَمّكُمْ . وحلّ حرَمكُمْ . مُمْلِكاً عَروسَكُمُ المُكرّمةَ . وماهِراً لها كما مهَرَ الرّسولُ أمَّ سلمَةَ . وهوَ أكْرَمُ صِهْرٍ أودِعَ الأوْلادَ . ومُلّكَ مَنْ أرادَ . وما سَها مُمْلِكُهُ ولا وَهِمَ . ولا وَكِسَ مُلاصِمُهُ ولا وُصِمَ . أسْألُ اللهَ لكُمْ إحْمادَ وِصالِهِ ودَوامَ إسْعادِهِ . وألْهَمَ كُلاً إصْلاحَ حالِهِ والإعْدادَ لمَعادِهِ . ولهُ الحمْدُ السّرمَدُ . والمدْحُ لرَسولِهِ محمّدٍ . فلمّا فرَغَ منْ خُطبَتِه البَديعةِ النّظامِ . العَريّةِ منَ الإعْجامِ . 
عقَدَ العقْدَ على الخمْسِ المِئِينَ . وقال لي : بالرِّفاء والبَنينَ . ثمّ أحضرَ الحَلْواءَ التي كانَ أعدّها . وأبْدى الآبِدَةَ عندَها . فأقبلْتُ إقْبالَ الجماعَةِ علَيْها . وكِدْتُ أهوي بيَدي إلَيْها . فزجَرَني عنِ المؤاكَلَةِ . وأنْهَضَني للمُناوَلَةِ . فوَاللهِ ما كان بأسرَعَ منْ تصافُحِ الأجْفانِ . حتى خرّ القوْمُ للأذْقان . فلمّا رأيتُهُمْ كأعْجازِ نخْلٍ خاوِيَةٍ . أو كصَرْعى بنتِ خابيَةٍ . علِمْتُ أنّها لإحْدى الكُبَرِ . وأمُّ العِبَرِ . فقلتُ له : يا عُدَيّ نفْسِهِ . وعُبَيْدَ فَلْسِهِ أعددتَ للقَوْمِ حُلْوى . أم بَلْوى ؟ فقال : لمْ أعْدُ خَبيصَ البَنْجِ . في صِحافِ الخلَنْج فقلتُ : أُقسِمُ بمَنْ أطْلَعَه زُهْراً . وهَدَى بها السّارينَ طُرّاً . لقدْ جِئْتَ شيئاً نُكْراً . وأبقَيْتَ لكَ في المُخزِياتِ ذِكْراً . ثمّ حِرْتُ فِكرةً في صَيّورِ أمِهِ . وخيفَةً منْ عدْوى عرّهِ . حتى طارَتْ نفسي شَعاعاً . وأُرعِدَتْ فَرائِصي ارْتِياعاً . فلمّا رأى استِطارَةَ فرَقي . واسْتِشاطَةَ قلَقي . قال : ما هَذا الفِكْرُ المُرْمِضُ . والرّوْعُ المومِضُ ؟ فإنْ يكُنْ فِكرُك في أجْلي . منْ أجْلي . فأنا الآنَ أرتَعُ وأطْفِرُ . وأقوِي هذِهِ البُقْعَةَ مني وأُقفِرُ . وكمْ مثلِها فارَقْتُها وهيَ تصفِرُ . وإنْ يكُنْ نظَراً لنفْسِكَ .
وحذَراً منْ حبسِكَ . فتناوَلْ فُضالَةَ الخَبيصِ . وطِبْ نفْسً عنِ القَميصِ . حتى تأمَنَ المُستَعديَ والمُعْديَ . ويتمهّدَ لكَ المُقامُ بعْدي . وإلا فالمفَرَّ المفَرَّ . قبْلَ أن تُسْحَبَ وتُجَرَّ . ثمّ عمَدَ لاستِخْراجِ ما في البيوتِ . منَ الأكْياسِ والتّخوتِ . وجعلَ يستَخْلِصُ خالِصَةَ كلّ مخزونٍ . ونُخبَةَ كلّ مَذْروعٍ وموزونٍ . حتى غادرَ ما ألْغاهُ فخُّهُ . كعظْمٍ استُخرِجَ مُخُّهُ . فلمّا همّنَ ما اصْطَفاهُ ورزَمَ . وشمّرَ عنْ ذِراعَيْهِ وتحزّمَ . أقبَلَ عليّ إقْبالَ منْ لبِسَ الصّفاقَةَ . وخلَعَ الصّداقَةَ . وقال : هلْ لكَ في المُصاحبَةِ إلى البَطيحَةِ . لأزوّجَكَ بأخْرى مَليحَةٍ ؟ فأقْسَمْتُ لهُ بالذي جعلَهُ مُبارَكاً أيْنَما كان . ولمْ يجْعَلْهُ ممّنْ خانَ في خانٍ . إنهُ لا قِبَلَ لي بنِكاحِ حُرّتَينِ . ومُعاشَرَةِ ضَرّتَينِ . ثمّ قلتُ لهُ قوْلَ المتطبّعِ بطِباعِهِ . الكائِلِ لهُ بصاعِهِ : قدْ كفَتْني الأولى فخْراً . فاطْلُبْ آخرَ للأخْرى . فتبسّمَ منْ كلامي . ودلَفَ لالْتِزامي . فلوَيْتُ عنهُ عِذاري . وأبدَيْتُ لهُ ازْوِراري . فلمّا بصُرَ بانقِباضي . وتجلّى لهُ إعْراضي . أنشدَ : حَبَ وتُجَرَّ . ثمّ عمَدَ لاستِخْراجِ ما في البيوتِ . منَ الأكْياسِ والتّخوتِ . وجعلَ يستَخْلِصُ خالِصَةَ كلّ مخزونٍ . ونُخبَةَ كلّ مَذْروعٍ وموزونٍ . حتى غادرَ ما ألْغاهُ فخُّهُ . كعظْمٍ استُخرِجَ مُخُّهُ . فلمّا همّنَ ما اصْطَفاهُ ورزَمَ . وشمّرَ عنْ ذِراعَيْهِ وتحزّمَ . أقبَلَ عليّ إقْبالَ منْ لبِسَ الصّفاقَةَ . وخلَعَ الصّداقَةَ . وقال : هلْ لكَ في المُصاحبَةِ إلى البَطيحَةِ . لأزوّجَكَ بأخْرى مَليحَةٍ ؟ فأقْسَمْتُ لهُ بالذي جعلَهُ مُبارَكاً أيْنَما كان . ولمْ يجْعَلْهُ ممّنْ خانَ في خانٍ . إنهُ لا قِبَلَ لي بنِكاحِ حُرّتَينِ . ومُعاشَرَةِ ضَرّتَينِ . ثمّ قلتُ لهُ قوْلَ المتطبّعِ بطِباعِهِ . الكائِلِ لهُ بصاعِهِ : قدْ كفَتْني الأولى فخْراً . فاطْلُبْ آخرَ للأخْرى . فتبسّمَ منْ كلامي . ودلَفَ لالْتِزامي . فلوَيْتُ عنهُ عِذاري . وأبدَيْتُ لهُ ازْوِراري . فلمّا بصُرَ بانقِباضي . وتجلّى لهُ إعْراضي . أنشدَ :
يا صارِفاً عنّي المو . . . دّةَ والزّمانَ لهُ صُروفْ
ومُعنّفي في فضْحِ منْ . . . جاورْتُ تعْنيفَ العَسوفْ
لا تلْحِني فيما أتيْ . . . تُ فإنّني بهمِ عَروفْ
ولقدْ نزلْتُ بهمْ فلمْ . . . أرَهُم يُراعونَ الضّيوفْ
وبلَوْتُهُمْ فوجدْتُهُمْ . . . لمّا سبَكْتُهُمُ زُيوفْ
ما فيهِمِ إلا مُخي . . . فٌ إنْ تمكّنَ أو مَخوفْ
لا بالصّفيّ ولا الوَفيّ . . . ولا الحَفيّ ولا العَطوفْ
فوثبْتُ فيهمْ وثْبَة ال . . . ذئبِ الضّريّ على الخَروفْ
وتركتُهُمْ صرْعى كأنه . . . مْ سُقوا كأسَ الحُتوفْ
وتحكّمَتْ في ما اقْتَنوْ . . . هُ يَدي وهُمْ رُغْمُ الأنوفْ
ثمّ انْثَنَيْتُ بمَغْنَمٍ . . . حُلْوِ المَجاني والقُطوفْ
ولَطالَما خلّفْتُ مكْ . . . لومَ الحشى خلْفي يطوفْ
ووَتَرْتُ أرْبابَ الأرا . . . ئِكِ والدّرانِكِ والسّجوفْ
ولَكَمْ بلغْتُ بحيلَتي . . . ما ليسَ يُبلَغُ بالسّيوفْ
ووَقفْتُ في هوْلٍ تُرا . . . عُ الأُسْدُ فيهِ منَ الوقوفْ
ولكَمْ سفكتُ وكمْ فتكْتُ . . . وكمْ هتكْتُ حِمى أَنوفْ
وكَمِ ارْتِكاضٍ موبِقٍ . . . لي في الذّنوبِ وكم خُفوفْ
لكنّني أعدَدْتُ حُسْ . . . نَ الظّنّ بالمَوْلى الرّؤوفْ
قال : فلمّا انتهى إلى هذا البيتِ لجّ في الاستِعْبارِ . وألَظَّ بالاستِغْفارِ . حتى اسْتَمالَ هوَى قلْبي المُنحرِفِ . ورجَوْتُ لهُ ما يُرْجى للمُقْتَرِفِ المُعْتَرِفِ . ثمّ إنّهُ غيّضَ دمْعَهُ المُنْهَلّ . وتأبّطَ جِرابَهُ وانْسَلّ . وقال لابنِهِ : احتَمِلِ الباقي . واللهُ الواقي . قال المُخْبِرُ بهذِه الحِكاية : فلمّا رأيتُ انْسِيابَ الحيّةِ والحُيَيّةِ . وانتِهاءَ الدّاء إلى الكَيّةِ . علِمْتُ أن ترَبُّثي بالخانِ . مَجْلَبَةٌ للهَوانِ . فضمَمْتُ رُحَيْلي . وجمَعْتُ للرّحلَةِ ذَيْلي . وبِتُّ ليْلَتي أسْري إلى الطّيبِ . وأحتَسِبُ اللهَ على الخَطيبِ .













مصادر و المراجع :

١- مقامات الحريري

المؤلف: القاسم بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد الحريري البصري (المتوفى: 516 هـ)

دار النشر: دار الكتاب اللبناني - بيروت - 1981

الطبعة: الأولى

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید