المنشورات

المجنون الشاعر

أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن عيسى بقراءتي أو قراءة عليه بمصر قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن القاسم بن مرزوق قال: أخبرنا إبراهيم بن علي بن إبراهيم البغدادي قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أحمد بن إسماعيل قال: حدثني المبرد قال: خرجت أنا وجماعة من أصحابي مع المأمون، فلما قربنا من نحو الرقة فإذا نحن بدير كبير فأقبل إلي بعض أصحابي فقال: مل بنا إلى هذا الدير لننظر من فيه، ونحمد الله، سبحانه، على ما رزقنا من السلامة. فلما دخلنا إلى الدير رأينا مجانين مغلولين، وهم في نهاية القذارة، فإذا منهم شابٌ عليه بقية ثياب ناعمة، فلما بصر بنا قال: من أين أنتم يا فتيان، حياكم الله؟
فقلنا: نحن من العراق. فقال: يا بأبي العراق وأهلها! بالله أنشدوني أو أنشدكم؟ فقال المبرد: والله إن الشعر من هذا لطريف. فقلنا: أنشدنا! فأنشأ يقول:
الله يعلمُ أنّني كَمِدُ ... لا أستطيعُ أبثُّ ما أجِدُ.
روحانِ لي: رُوحٌ تضَمّنَها ... بلَدٌ، وأُخرَى حازَها بلَدُ.
وَأرَى المُقيمَةَ ليس ينفعُها ... صبرٌ، ولا يقوَى بها جَلَدُ.
وأظُنّ غائبَتي، كَشاهِدَتي، ... بِمكانها تجِدُ الذي أجِدُ.
قال المبرد: إن هذا لطريف، والله زدنا! فأنشأ يقول:
لمّا أناخُوا قُبَيْلَ الصُّبْحِ عِيسَهُمُ ... وَرَحّلوها، فسارت بالهوَى الإبلُ.
وَأبرَزَتْ من خِلالِ السِّجْفِ ناظِرَها ... ترنو إليّ وَدمعُ العينِ مُنْهَمِلُ.
وَوَدّعَتْ بِبَنانٍ عَقدُها عَنَمٌ، ... ناديتُ لا حَمَلَت رجلاك يا جَمَلُ!
ويلي من البَينِ! ماذا حلّ بي وبِها، ... من نازِلِ البينِ حانَ الحَينُ وارْتَحَلوا.
يا رَاحلَ العِيس عَجّل كيْ نُوَدّعَها! ... يا رَاحلَ العِيس في ترْحالكَ الأجلُ!
إنّي على العَهدِ لم أنقض مَودّتَهم، ... فليتَ شعري لطولِ العهد ما فعلوا؟
فقال رجل من البغضاء الذين معي: ماتوا! قال: إذاً فأموت. فقال له: إن شئت. قال: فتمطى واستند إلى السارية التي كان مشدوداً فيها فما برحنا حتى دفناه.












مصادر و المراجع :

١- مصارع العشاق

المؤلف: جعفر بن أحمد بن الحسين السراج القاري البغدادي، أبو محمد (المتوفى: 500هـ)

الناشر: دار صادر، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید