المنشورات

الفرزدق والبدوية الحسناء

أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن طاهر الدقاق قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن المكتفي بالله قال: حدثنا ابن دريد قال: أخبرني الرياشي، يرفعه عن الفرزدق، قال: أبق غلام لرجلٍ من نشهل فخرجت في طلبه أريد اليمامه، وأنا على ناقةٍ لي عيساء، فلما صرت على ماء لبني حنيفة ارتفعت سحابةٌ فرعدت وبرقت وأرخت عزاليها، فعدلت إلى بعض ديارهم، فسألتهم القرى، فأجابوا، فأنخت ناقتي، وجلست تحت بيتٍ لهم من جريد النخل، وفي الدار جويرية سوداء، وفتاة كأنها فلقة قمرٍ، فسألت السوداء: لمن هذه العيساء؟ فأشارت إلي وقالت: لضيفكم هذا. فعدلت إلي فسلمت، وقالت: ممن الرجل؟ قلت: من بني تميم. قالت: من أيهم؟ قلت: من بني نهشل. قالت: فأنت الذين يقول لكم الفرزدق:
إنّ الذي سَمَكَ السماءَ بنى لَنَا ... بَيتاً دَعَائِمُهُ أعزُّ وَأَطْوَلُ.
بَيْتٌ زرَارَةُ محْتَبٍ بِفِنَائِهِ ... ومُجاشِعٌ وأبو الفَوَارِسِ نهشَلُ.
قلت: نعم. قال: فضحكت، وقالت: فإن جريراً هدم عليه بيته حيث يقول:
أخْزَى الذي سَمَكَ السماءَ مُجَاشِعاً ... وأحَلّ بَيتَكَ بالحَضِيضِ الأوْهَدِ.
قال: فأعجبتني، فلما رأت ذلك في عيني قالت: أين تؤم؟ قلت: اليمامة. فتنفست الصعداء ثم قالت:
تَذَكَّرْتُ اليَمامَةَ، إنَّ ذِكري ... بِها أهلَ المُرُوءةِ والكَرَامَة.
ألا فَسَقى المَلِيكُ أجَشَّ جَوناً ... يجودُ بِسَحّهِ تلكَ اليَمامَه.
أُحيّي بالسّلامِ أبَا نجِيدٍ، ... وأهْلٌ للتّحِيّةِ والسّلامَه.
قالت: فأنست بها، فقلت: أذات خدين أنت أم ذات بعلٍ؟ فقالت:
إذا رَقَدَ النّيامُ فإنّ عَمراً ... هُوَ القَمَرُ المُنيرُ المُسْتَنيرُ.
وما لي في التّبَعّلِ من مِرَاحٍ ... ولوْ رُدّ التّبَعّلُ لي أسيرُ.
ثم سكت كأنها تسمع كلامي فأنشأت تقول:
تخيَّلَ لي، أبا كعب بن عمرو، ... بأنَّك قد حُمِلتَ على سريرِ.
فإن يكُ هكذا، يا عمرو، إني ... مُبكِّرةٌ عليكَ إلى القبورِ.
ثم شهقت شهقةً فماتت. فقيل لي: هي عقيلة بنت النجاد بن النعمان بن المنذر، وسألت عن عمرو فقيل لي: ابن عمها، وكان مغرماً بها، وهي كذلك، فدخلت اليمامة، فسألت عن عمرو، فإذا به قد مات في ذلك اليوم من ذلك الوقت.











مصادر و المراجع :

١- مصارع العشاق

المؤلف: جعفر بن أحمد بن الحسين السراج القاري البغدادي، أبو محمد (المتوفى: 500هـ)

الناشر: دار صادر، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید