المنشورات

جمال يلهي الناس

أخبرنا إبراهيم بن سعيد بمصر في سنة خمس وخمسين وأربعمائة بقراءتي عليه قال: حدثنا أبو صالح السمرقندي الصوفي قال: حدثنا الحسين بن القاسم بن أليسع قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر الدينوري قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن عبد الله الصوفي قال: قال أبو حمزة:
كان كامل بن المخارق الصوفي من أحسن ما رأيته من أحداث الصوفية وجهاً، وكان قد لزم منزله، وأقبل على العبادة، فكان لا يخرج إلا من جمعة إلى جمعة، فإذا خرج يريد المسجد، وقف له الناس، ورموه بأبصارهم ينظرون إليه، فقدم به علينا حجار بن قيس المكي دمشق، وكان أحد الفصحاء العقلاء، وكان لي صديقاً، فكلمني جماعة من أصحابه أسأله أن يجلس لهم مجلساً يتكلم عليهم فيه، ويسألونه، فكلمته فوعدهم يوماً، فاتعدنا لذلك اليوم، ودعا الناس بعضهم بعضاً.
فلما أن كان يوم الجمعة وصلى الناس الغداة، أقبلوا من كل ناحية، فوقف يتكلم علينا، فبينا هو كذلك، إذ أقبل كامل بن المخارق، فلما رأته النسا رموه بأبصارهم، وشغلوا بالنظر إليه عن الاستماع منه، وفطن بهم حجار، فقطع كلامه، وقال: يا قوم! ما لكم لا ترجون لله وقاراً، ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً، وجعل القمر فيهن نوراً، وجعل الشمس سراجاً، فوالله لما تنظرون منهما على بعدهما أعجب إلي من نظركم إلى هذا، فاحذروا أن تعود عليكم النفوس بعوائد حكمهان إذا حالت القلوب في غامض فكرها، أتنظرون إلى جمال تحول عنه نضرته، ووجه تتخرمه الحادثات بعد خبرته؟ ما هذا نظر المشتاقين، اين تذهب منها محبوب نفوسكم ومطالبة قلوبكم إلا بإحدى ثلاثٍ: إما بتوبة يتلافاكم الله، عز وجل، بها، أو عصمة يتغمدكم برحمته فيهان أو يطلقكم وما تطلبون، فإما أن تحول أقداره بينكم وبين شهواتكم، وإما تبلغوا منها إرادتكم فتسخطوه عليكم، أما سمعتموه، تعالى ذكره، يقول: ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه، فأحبط أعمالهم؟ ثم أخذ في كلامه، فأحيطت من أحرم من مجلسه ذلك اليوم نيف على سبعين بين رجل وغلام.











مصادر و المراجع :

١- مصارع العشاق

المؤلف: جعفر بن أحمد بن الحسين السراج القاري البغدادي، أبو محمد (المتوفى: 500هـ)

الناشر: دار صادر، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید