المنشورات

تفي لزوجها بعد موته

وأخبرنا الحسن بن علي، حدثنا محمد بن العباس، حدثنا محمد بن خلف، أخبرني أبو صالح الأزدي عن إبراهيم بن عبد الواحد الزيدي، أخبرني البهلول بن عامر، حدثني سعيد بن عبد العزيز التنوخي قال: كان الحسن بن سابور رجلاً له عقل ودين، فأعجب بفتاة من الحي ذات عقل ودين، قال: فأرسل إليها بهذه الأبيات:
فَدَيتُكِ هَل إلى وَصلٍ سَبيلٌ، ... وَهَلْ لكِ في شِفَا بَدَنٍ عَليلِ
فعِندَكِ مُنيَتي وَشِفَاءُ سُقمي، ... فداويني، فدَيتُكِ، مِنْ غَليلي
فلما وصل الرسول إليها عذلته، وقالت: ما هذا؟ أو يكتب إلى النساء بمثل هذا؟ وكبتت إليه كتاباً تضعف من رأيه وتوبخه وتأمره بالكف عن ذلك، وفيه:
ألا يا أيّها النِّضوُ المُعَنّى! ... رُوَيدَكَ في الهَوَى رِفقاً قَليلا
لَنَا رَبٌّ يُعَذّبُ مَنْ عَصَاهُ ... وَيُسكِنُ ذا التّقى ظِلاَّ ظليلا
وكان موسراً، فضمكن لها أنه يدفع إليها ماله. فقالت للرسول: لا حاجة لي في ذلك ولا إليه سبيل. قال: وكيف ذاك؟ قالت: ويحك إني كنت عاهدت ابن عمي إن مات أن لا أتزوج بعده، وذلك أنه نظر إلي يوماً نظرة أنكرتها ودمعت عيناه، وأنشأ يقول:
كَأني بالتّرَابِ يُهَالُ طُرّاً ... عَلى بَدَني، وَتَندُبُني نِسَايَا
وَأُصبحُ رَهنَ مُوحِشَةٍ دَفِيناً، ... وَبِنتُ، وَقُطّعَتْ مِنكُم عُرَايَا
وَيَنسَاني الحَبيبُ لفَقدِ وَجهي، ... وَيُحدِثُ مُؤنِساً أيضاً سِوَايَا
قالت: فقلت له: كأنك تعرض بي؟ فقال: ومن في العالم أخشى عليه هذا غيرك؟ قالت: فأجبته، فقلت:
ألا طِبْ أيّهَا المَحزُونُ نَفساً، ... فَإنّي لا أخونُكَ في وَدَادِ
وَلا أبغي سِوَاكَ مَعي أنِيساً، ... وَلا يَنحاشُ بَعدَكَ لي فُؤادِي
قالت: فقال لي: أوَتَفينَ بهذا لي؟ قالت: فقلت: اي والله لا أخونك أبداً، وحاشاك من قولك! فأنشأ يقول:
وَإنّي لا أخُونُكَ بَعدَ هَذا، ... وَلم أنقضْ على حَدَثٍ عُهُودي
وَلا أبغي سِوَاكِ، الدّهرَ، إنّي ... عَليّ بِذاكَ شَاهِدَةٌ شُهُودي
قالت: فرضيت بذلك منه ورضي به مني، فعاجلته أقدار الله تعالى، فصار إليه، وما كنت لأنقض عهده أبداً، فقل لصاحبك أن يقبل على شأنه ويدع ذكر ما لا يتم ولا يكون. قال: فرجعت إليه، فأخبرته ما قالت، وحدثته بالقصة فأمسك عنها.













مصادر و المراجع :

١- مصارع العشاق

المؤلف: جعفر بن أحمد بن الحسين السراج القاري البغدادي، أبو محمد (المتوفى: 500هـ)

الناشر: دار صادر، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید