المنشورات

حجة السفيانية بعدم توافر الاجماع على علي لا يطعن في خلافته لان الاجماع تابع لفضله

أمّا قولهم بقول معاوية: «هذا موضع صرت إليه بالإجماع فلا أخرج منه في الفرقة» ، فإنّ أكثر الناس يغلطون في حكم الإجماع في هذا المكان ويلحقونه بغير شكله؛ نقول إن الناس إنما أجمعوا على تفضيل الفاضل لفضيلة وجدوها فيه، وليس أنهم وجدوا الفضيلة فيه لأنّهم أجمعوا على تفضيله، فالإجماع تبع للفضيلة الموجودة، وليست الفضيلة تبعا للإجماع الذي كان منهم؛ وإذا كان الفضل بارزا، فعليهم الإجماع عليه؛ فإن اختلفوا فلا يبعد الله إلّا من خالف، الحقّ حقّ الفاضل؛ وإن لم يصل إليه مع ضعف الموافق وقوة المخالف؛ فإن وافق صاحب الحق إجماعا فعليه الشكر والحقّ حقّه، وإن وافق اختلافا فالحقّ حقّه وعليه الصبر.
وقد كان فضل عليّ ظاهرا، فإن أجمعوا عليه فقد أصابوا حظوظهم ووافقوا محبّته إذ كان ذلك حقّا، وإن اختلفوا فقد أخطأ المخالف حظّه، ولم يضم ذلك عليّا لأنّ ثواب عليّ على الصبر على البلاء كثوابه على الشكر على الرخاء؛ والحق ليس يجب له بالإجماع بل إنّما كان ذلك دليلا على الاستحقاق وحكم مقام النبيّ صلى الله عليه وسلم وحكم مرتبة الإمام والتفضيل إلى أن نعلم أنّ أمرا قد اضطرّ إليه؛ فما لم نعلم، فالحكم بالتفضيل لازم لظاهر الحال، وليس لنا أن نزيل حكم ظاهر الأمر ب «لعلّ» أو «عسى» ، وليس يزول اليقين إلّا باليقين، ومتى هجمنا على رجل قد أجمع الناس على تأميره طائعين غير مكرهين، ثمّ رأيناهم يدينون بطاعته ويتقرّبون إلى الله بنصيحته ويرون أنّه إذا ولّى رجلا صلاة الجمعة أن له أن يقصر وأن لهم أن يقصروا خلفه، وإن هو عزله كان عليه وعليهم أن يأتوا بخلاف ذلك، ومتى استعمل رجلا على ثغر دانوا بابتياع ذلك السبي ووطنه واستخدامه وبيعه والانتفاع بذلك المقسم وبابتياع العقد والعقارات والمستغلّات منه، ومتى عزله حرّموا ذلك وسقطوا من لم يجتنبه؛ ومتى استقضى رجلا لزم الناس حكمه ونفذ فيهم أمره ووجبت سجلّاته ولزمت قضاياه، ومتى قال: قد عزلتك، كان كالمفتي وكالمشير والمصلح، ثمّ تراهم إذا كان قاضيا يقومون فوق رأسه ولا يجلسون إلّا بأمره.
ولم نر عليّا لمّا عزل سعدا وولّى أبا موسى وعزل عمّارا وولّى المغيرة، قال المعزول: «لا أعتزل البتّة!» أو قال: «لا أعتزل حتّى أعرف لم عزلني ولم ولّى من أنا أعظم عناء منه وأجود سياسة منه وأشرف أرومة منه» ، أو قال: «أنا أسنّ منه وأكثر فقها وعلما منه» ، أو يدّعى أنّ أهل البلدة به أرضى وأنه لا يرضى أن يكون قد عانى خراب أرضها وفساد رجالها وضياع ثغرها، فلمّا عمّر البلدة وحصّن الثغر وأصلح الفاسد وقد كلف وتعب وسهر ونصب، بعثت رجلا يصير له مهنأها فيذهب ببردها وحلاوتها، وأنا قد صلبت بحرّها ومرارتها؛ بل تجد المعزول صابرا راضيا والمستعمل قابلا نافذا لأمره وقوله؛ فحكم ظاهر هذه الحال وحكم المرتبة التقديم لأهلها والتفضيل لأربابها حتى ثبتت الحجة ببعض ما يحطّه عن أعلى المراتب ويقتصر به على دون الكمال، فالإجماع تابع في هذا الموضع.












مصادر و المراجع :

١- الرسائل السياسية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید