المنشورات

مفاخر أمية بالدهاء والحروب والعلم والشعر

قالت أمية: لنا من نوادر الرجال في العقل والدهاء والأرب والنكر ما ليس لأحد. ولنا من الأجواد وأصحاب الصنائع ما ليس لأحد. زعم الناس أن الدهاة أربعة: معاوية بن أبي سفيان، وزياد، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة. فمنا رجلان ومن سائر الناس رجلان. ولنا في الأجواد: سعيد بن العاص، وعبد الله بن عامر، لم يوجد لهما نظير إلى الساعة. وأما نوادر الرجال في الرأي والتدبير: فأبو سفيان بن حرب، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الملك ابن مروان، ومسلمة بن عبد الملك. وعلى أنهم يعدون في الحلماء والرؤساء.
فأهل الحجاز يضربون المثل في الحلم بمعاوية كما يضرب أهل العراق المثل فيه بالأحنف. فأما الفتوح والتدبير في الحرب فلمعاوية غير مدافع، وكان خطيبا مصقعا ومحربا مظفرا. وكان مسلمة شجاعا مدبرا وسائسا مقدما، وكثير الفتوح كثير الأدب. وكان يزيد بن معاوية خطيبا شاعرا. وكان الوليد بن يزيد خطيبا شاعرا. وكان مروان بن الحكم وعبد الرحمن بن الحكم شاعرين. وكان بشر بن مروان شاعرا ناسبا وأديبا عالما. وكان خالد بن يزيد بن معاوية خطيبا شاعرا وجيد الرأي أريبا كثير الأدب حكيما، وكان أول من أعطى التراجمة والفلاسفة وقرب أهل الحكمة ورؤساء أهل كل صناعة، وترجم كتب النجوم والطب والكيمياء والحروب والآداب والآلات والصناعات. وقالوا: وإن ذكرت البأس والشجاعة فالعباس بن الوليد بن عبد الملك، ومروان بن محمد، وأبوه محمد بن مروان بن الحكم وهو صاحب مصعب. وهؤلاء قوم لهم آثار بالروم لا تجهل وآثار بإرمينية لا تنكر، ولهم يوم العقر شهده مسلمة والعباس بن الوليد. قالوا:
ولنا الفتوح العظام، ولنا فارس وخراسان، وإرمينية وسجستان، وأفريقية وجميع فتوح عثمان. فأما فتوح بني مروان فاكثر وأعم وأشهر من أن تحتاج إلى عد أو إلى شاهد، والذين بلغوا في ذلك الزمان أقصى ما يمكن صاحب خف وحافر أن يبلغه، حتى لم يحتجز منهم إلا ببحر أو خليج بحر أو غياض أو عقاب أو حصون وصياصي ثلاثة رجال: قتيبة بن مسلم بخراسان، وموسى بن نصير بأفريقية، والقاسم بن محمد بن القاسم الثقفي بالسند والهند. وهؤلاء كلهم عمالنا وصنائعنا. ويقال: إن البصرة كانت صنائع ثلاثة رجال: عبد الله بن عامر، وزياد، والحجاج، فرجلان من أنفسنا والثالث صنيعتنا. قالوا: ولنا في الأجواد وأهل الأقدار: عبد الله بن خالد بن أسيد بن أمية، وأخوه خالد، وفي خالد يقول الشاعر:
إلى خالد حتّى أنخنا بخالد ... فنعم الفتى يرجى ونعم المؤمل
ولنا سعيد بن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وهو عقيد النّدى، كان يسبت ستة أشهر ويفيق ستة أشهر، ويرى كحيلا من غير اكتحال، ودهينا من غير تدهين، وله يقول: موسى شهوات.
أبا خالد أعني سعيد بن خالد ... أخا العرف لا أعنى ابن بنت سعيد
ولكنني أعني ابن عائشة الذي ... أبو أبويه خالد ابن أسيد
عقيد النّدى ما عاش يرضى به الندى ... فإن مات لم يرض الندى بعقيد
قالوا: وإنما تمكن فينا الشعر وجاد ليس من قبل أن الذين مدحونا ما كانوا غير من مدح الناس، ولكن لما وجدوا فينا مما يتسع لأجله القول ويصدق فيه القائل. قد مدح عبيد الله بن قيس الرّقيات من الناس آل الزبير عبد الله ومصعبا وغيرهما. فكان يقول كما يقول غيره. فلما صار إلينا قال:
ما نقموا من بني أميّة إلّا ... أنّهم يحلمون إن غضبوا
وأنّهم معدن الملوك فما ... تصلح إلّا عليهم العرب
وقال نصيب:
من النّفر الشم الذين اذا انتجوا ... أقرّت لنجواهم لؤيّ بن غالب
يحيّون بسّامين طورا وتارة ... يحيون عبّاسين شوس الحواجب
وقال الأخطل:
شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم النّاس أحلاما إذا قدروا
قالوا: وفينا يقول شاعركم والمتشيع لكم الكميت بن زيد:
فالآن صرت إلى أميّة ... والأمور لها مصاير
وفي معاوية يقول لأبو الجهم العدويّ:
تقلّبه لنخبر حالتيه ... فنخبر منهما كرما ولينا
نميل على جوانبنا كانّا ... إذا ملنا نميل على أبينا
وفيه يقول:
تريغ إليه هوادى الكلام ... إذا ضلّ خطبته المهذر
قالوا: وإذا نظرتم في امتداح الشعراء عبد العزيز بن مروان عرفتم صدق ما نقوله:
قالوا: وفي إرسال النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة عثمان واستعماله عتاب بن أسيد وهو ابن اثنين وعشرين سنة دليل على موضع المنعة ومن تهاب العرب وتعز قريش. وقال النبي صلى الله عليه وسلم قبل الفتح:
«فتيان أضن بهما على النار عتاب بن أسيد وجبير بن مطعم» فولى عتابا وترك جبير. وقال الشّعبي: لو ولد لي مائة ابن لسميتهم كلهم «عبد الرحمن» للذي رأيت في قريش من أصحاب هذا الإسم. ثم عد: عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام، وعبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص. فأما عبد الرحمن بن عتاب فانه صاحب الخيل يوم الجمل، وهو صاحب الكف والخاتم، وهو الذي مر به علي وهو قتيل فقال: لهفي عليك يعسوب قريش! هذا اللباب المحض من بني عبد مناف! فقال له قائل: لشد ما أبنته اليوم يا أمير المؤمنين! قال: إنه قام عني وعنه نسوة لم يقمن عنك.











مصادر و المراجع :

١- الرسائل السياسية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید