المنشورات

فخر عبد شمس بالخطابة

قالوا: ولنا من الخطباء معاوية بن أبي سفيان، أخطب الناس قائما وقاعدا وعلى منبر وفي خطبة نكاح! وقال عمر بن الخطاب: ما يتصعدني شيء من الكلام كما تتصعدني خطبة النكاح. وقد يكون خطيبا من ليس عنده في حديثه ووصفه للشيء واحتجاجه في الأمر لسان بارع. وكان معاوية يجري مع ذلك كله.
قالوا: ومن خطبائنا يزيد بن معاوية، كان أعرابي اللسان بدوي اللهجة.
قال معاوية- وخطب عنده خطيب فأجاد- لأرمينه بالخطيب الأشدق. يريد يزيد إبن معاوية. ومن خطبائنا سعيد بن العاص، لم يوجد كتحبيره تحبير ولا كارتجاله ارتجال. ومنا عمرو بن سعيد الأشدق، لقب بذلك لأنه حيث دخل على معاوية وهو غلام بعد وفاة أبيه فسمع كلامه فقال: إن ابن سعيد هذا لأشدق: وقال له معاوية: إلى من أوصى بك أبوك؟ قال: إن أبي أوصى إلي ولم يوص بى! قال: فما أوصى إليك؟ قال: أن لا يفقد إخوانه منه إلا وجهه.
قالوا: ومنا سعيد بن عمرو بن سعيد، خطيب إبن خطيب ابن خطيب.
تكلم الناس عند عبد الملك قياما وتكلم قاعدا، قال عبد الملك: فتكلم وأنا والله أحب عثرته وإسكاته، فأحسن حتى استنطقته واستزدته. وكان عبد الملك خطيبا خطب الناس مرة فقال: ما أنصفتمونا معشر رعيتنا، طلبتم منا أن نسير فيكم وفي أنفسنا سيرة أبي بكر وعمر في أنفسهما ورعيتهما، ولم تسيروا فينا ولا في أنفسكم سيرة رعية أبي بكر وعمر فيهما وفي أنفسهما، ولكل من النصفة نصيب.
قالوا: فكانت خطبته نافعة.
قالوا: ولنا زياد وعبيد الله بن زياد، وكانا غايتين في صحة المعاني وجودة اللفظ. ولهما كلام كثير محفوظ.
قالوا: ومن خطبائنا سليمان بن عبد الملك، والوليد بن يزيد بن عبد الملك. ومن خطبائنا ونساكنا يزيد بن الوليد الناقص. قال عيسى بن حاضر:
قلت لعمرو بن عبيد: ما قولك في عمر بن عبد العزيز؟ فكلح ثم صرف وجهه عني. قلت: فما قولك في يزيد الناقص؟ فقال: أو الكامل، قال بالعدل وعمل بالعدل وبذل نفسه وشرى وقتل ابن عمه في طاعة ربه، وكان نكالا لأهله، ونقص من أعطياتهم ما زادته الجبابرة، وأظهر البراءة من آبائه، وجعل في عهده شرطا ولم يجعله جزما. لا والله لكأنه ينطق عن لسان أبي سعيد- يريد الحسن البصري- قال: وكان الحسن من أنطق الناس. قالوا: وقد قريء في الكتب القديمة: يا مبذر الكنوز ويا ساجدا بالأسحار، كانت ولايتك رحمة وعليهم حجة. قالوا: هو يزيد بن الوليد. ومن خطبائنا ثم من ولد سعيد بن العاص: عمرو بن خولة، كان ناسبا فصيحا خطيبا. وقال ابن عائشة الأكبر:
ما شهد خطيبا قط إلا لجلج هيبة له ومعرفة بانتقاده. ومن خطبائنا عبد الله بن عامر، وعبد الآعلى بن عبد الله بن عامر، وكانا من أكرم الناس وأبين الناس.
كان مسلمة بن عبد الملك يقول: إني لأنحى كور عمامتي عن أذني لأسمع كلام عبد الأعلى. وكانوا يقولون: أشبه قريش نعمة وجهارة واقتدارا وبيانا بعمرو بن سعيد: عبد الأعلى بن عبد الله.












مصادر و المراجع :

١- الرسائل السياسية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید