المنشورات

فخر عبد شمس بالورع والنسك

قالوا: ومن أكثر نساك الملوك منا؟. منا معاوية بن يزيد بن معاوية، وهو الذي قيل له في مرضه الذي مات فيه: لو أقمت للناس وليّ عهد؟ قال: ومن جعل لي هذا العهد في أعناق الناس! والله لولا خوف الفتنة لما أقمت عليها طرفة عين! والله لا أذهب بمرارتها وتذهبون بحلاوتها! فقالت له أمه: لوددت أنك حيضة. قال: أنا والله وددت ذلك. 
قالوا: ومنا سليمان بن عبد الملك الذي هدم الديماس ورد المسيّرين وأخرج المسجونين وترك القريب واختار عمر بن عبد العزيز، وكان سليمان جوادا خطيبا جميلا صاحب سلامة ودعة وحب للعافية وقرب من الناس حتى سمي المهدي وقيلت الأشعار في ذلك.
قالوا: ولنا عمر بن عبد العزيز شبيه عمر بن الخطاب، قد ولده عمر وباسمه سمى، وهو أشج قريش المذكور في الآثار المنقولة، العدل في أشد الزمان، وظلف نفسه بعد اعتياد النعم حتى صار مثلا ومفخرا. وقيل للحسن:
أما رويت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزداد الزمان إلا شدة والناس إلا شحا ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق» ؟ قال: بلى. قيل: فما بال عمر بن عبد العزيز وعدله وسيرته؟ فقال: لا بد للناس من متنفس. وكان مذكورا مع الخطباء ومع النساك ومع الفقهاء.
قالوا: ولنا ابنه عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، كان ناسكا زكيا طاهرا، وكان من أتّقى الناس وأحسنهم معونة لأبيه، وكان كثيرا ما يعظ أباه وينهاه.
قالوا: ولنا من لا نظير له في جميع أموره، وهو ضاحب الأعواص اسماعيل ابن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص، وهو الذي قال فيه عمر بن عبد العزيز: لو كان إليّ من الأمر شيء لجعلتها شورى بين القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله، وصاحب الأعواص.
قالوا: ومن نساكنا أبو حراب من بني أمية الصغرى، قتله داود بن علي.
ومن نساكنا يزيد بن محمد بن مروان، كان لا يهدب ثوبا ولا يصبغه ولا يتخلق بخلوق ولا اختار طعاما على طعام ما أطعم أكله، وكان يكره التكلف وينهى عنه. قالوا: ومن نساكنا أبو بكر بن عبد العزيز بن مروان، أراد عمر أخوه أن يجعله ولي عهده لما رأى من فضله وزهده، فسما جميعا. ومن نساكنا عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان، كان يصلي كل يوم ألف ركعة وكان كثير الصدقة وكان إذا تصدق بصدقة قال: اللهم إن هذا لوجهك فخفف عني الموت. فانطلق حاجا ثم تصبح بالنوم فذهبوا ينبهونه للرحيل فوجدوه ميتا.
فأقاموا عليه المأتم بالمدينة، وجاء أشعب فدخل إلى المأتم وعلى رأسه كبة من طين فالتدم مع النساء، وكان إليه محسنا. ومن نساكنا عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.
قالوا: فنحن نعد من الصلاح والفضل ما سمعتموه، وما لم نذكره أكثر.
وأنتم تقولون: أمية هي الشجرة الملعونة في القرآن وزعمتم أن الشجرة الخبيثة لا تثمر الطيب كما أن الطيب لا يثمر الخبيث. فإن كان الأمر كما تقولون فعثمان بن عفان ثمرة خبيثة، وينبغي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم دفع ابنتيه الى خبيث؟ وكذلك يزيد بن أبي سفيان صاحب مقدمة أبي بكر الصديق على جيوش الشام؟ وينبغي لأبي العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون كذلك؟ وينبغي لمحمد بن عبد الله المدبج أن يكون كذلك وإن ولدته فاطمة عليها السلام، لأنه من بني أمية! وكذلك عبد الله بن عثمان سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي مات بعد أن شدن، نقر الديك عينه فمات، لأنه من بني أمية. وكذلك ينبغي أن يكون عتّاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم: ولاه مكة أم القرى وقبلة الاسلام مع قوله صلى الله عليه وسلم: فتيان أضن بهما على النار، عتاب بن أسيد وجبير بن مطعم. كذلك وينبغي أن يكون عمر بن عبد العزيز شبيه عمر بن الخطاب، وكذلك معاوية بن يزيد بن معاوية، وكذلك يزيد الناقص؟ وينبغي أن لا يكون النبي صلى الله عليه وسلم عد عثمان في العشرة الذين بشرهم بالجنة؟ وينبغي أن يكون خالد بن سعيد بن العاص شهيد يوم مرج الصفر والحبيس في سبيل الله ووالي النبي صلى الله عليه وسلم على اليمن ووالي أبى بكر على جميع أجناد الشام ورابع أربعة في الاسلام والمهاجر الى أرض الحبشة، كذلك! وكذلك أبان بن سعيد بن العاص المهاجر إلى المدينة والقديم الاسلام والحبس على الجهاد يجب أن يكون ملعونا خبيثا! وكذلك أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وهو بدري من المهاجرين الأولين، وكذلك أمامة بنت أبي العاص إبن الربيع وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم! وكذلك أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخرجها في المغازي ويضرب لها بسهم ويصافحها؟ وكذلك فاطمة بنت أبي معيط من مهاجرة الحبشة.












مصادر و المراجع :

١- الرسائل السياسية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید