المنشورات

رد هاشم على ادعاء امية الحلم

وأما ما ذكرتم من حلم معاوية فلو شئنا أن نجعل جميع ساداتنا حلماء لكانوا محتملين لذلك، ولكن الوجه في هذا أن لا يشتق للرجل إسم إلا من أشرف أعماله وأكرم أخلاقه، وإلا أن يبين بذلك عند أصحابه حتى يصير بذلك إسما يسمى به ويصير معروفا به كما عرف الأحنف بالحلم، وكما عرف حاتم بالجود، وكذلك هرم، قالوا: هرم الجواد؟ ولو قلتم كان أبو العاص بن أمية أحلم الناس لقلنا ولعله يكون قد كان حليما ولكن ليس كل حلم يكون صاحبه به مذكورا ومن أشكاله بائنا. وإنكم لتظلمون خصومكم في تسميتكم معاوية بالحلم، فكيف من دونه؟ لأن العرب تقول: أحلم الحلمين أن لا يتعرض ثم يحلم. ولم يكن في الأرض رجل أكثر تعرضا من معاوية؟ والتعرض هو السفه.
فإن ادعيتم أن الأخبار التي جاءت في تعرضه كلها باطل، إن لقائل أن يقول:
وكل خبر رويتموه في حلمه باطل! ولقد شهر الأحنف بالحلم ولكنه تكلم بكلام كثير يجرح في الحلم ويثلم في العرض. ولا يستطيع أحد أن يحكي عن العباس بن عبد المطلب ولا عن الحسن بن علي بن أبي طالب لفظا فاحشا ولا كلمة ساقطة ولا حرفا واحدا مما يحكى عن الأحنف ومعاوية! وكان المأمون أحلم الناس، وكان عبد الله السفاح أحلم الناس. وبعد، فمن يستطيع أن يصف هاشما أو عبد المطلب بالحلم دون غيره من الأخلاق والأفعال حتى يسميه بذلك ويخصه به دون كل شيء فيه من الفضل؟ وكيف وأخلاقهما متساوية وكلها في الغاية؟ ولو أن رجلا كان أظهر الناس زهدا وأصدقهم للعدو لقاء وأصدق الناس لسانا وأجود الناس كفا وأفصحهم منطقا وكان بكل ذلك مشهورا، لمنع بعض ذلك من بعض ولما كان له إلا إسم السيد المقدم والكامل المعظم، ولم يكن الجود أغلب على إسمه، ولا البيان ولا النجدة.












مصادر و المراجع :

١- الرسائل السياسية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید