المنشورات

شؤم الكتاب

ثمّ وصف من سلف من هذه الطّبقة يوما فقال: كتب سالم لهشام بن عبد الملك، وكان أشدّ الناس غلطا، وأضعفهم رأيا، وكان هشام يحضره فيسمع من ضعفه ويستميحه الرأي، يهزأ به.
ثم كتب لهم مسعدة وكان مؤدّبا، وكانت ضعفة المؤدّبين فيه.
ثم كتب لهم عبد الحميد وكان معلّما، وبتحامله على نصر بن سيار انتقضت خراسان، وزال ملك بني مروان.
ثم كتب لبني العباس عبد الله بن المقفّع، فأغرى بهم عبد الله بن علي، ففطن له وقتل وهدم البيت على صاحبه.
ثم كتب لهم يونس بن أبي فروة، وكان زنديقا، فطلب فاختفى بالكوفة والنّيل حتّى هلك.
واستكتب الرشيد أزدانقاذار على ديوان الخراج، وكان ثنويّا.
ثم لم ينوّهوا بذكر كاتب حتّى ولى المأمون، فقدم معه ابن أبي العباس الطّوسي، فبه انتشرت السّعاية بالعراق.
واستكتب أبا عبّاد، وكان بالرّي مؤدّبا، وكان سخيفا حديدا، ولم يزل بمكانه في ديوانه قيّما لابن أبي خالد الأحول والاسم له.
ثم كتب له رجاء بن أبي الضحّاك، وكان أظلمهم وأغشمهم، واستخلف حفصويه على ديوان الخراج، وكان ركيكا لسعايته. 
ثم كتب لهم ابن يزداد، وكان أشقاهم، حتّى هلك.
وكتب لهم عمرو بن مسعدة، وكان رسائليا فقط.
واسترجح المأمون وهو بخراسان قبل مقدمه من كتاب العراق على غير بلوى إبراهيم بن إسماعيل بن داود، وأحمد بن يوسف، فلما قدم امتحنهما فتعنّتا، فاستنهضهما في الأعمال ففشلا، فلم يعملا على شيء حتّى هلكا.
وكان إبراهيم شعوبيا، وكان يتهم بالثّنويّة. فإن كان ذلك صحيحا فقد كانت صبابته بها على جهة التقليد فيها، لا على جهة التفتيش والاحتجاج فيها. وهذه علة المرتدّ من سائر الكتّاب.
وقد قال أهل الفطن: إنّ محض العمى التقليد في الزندقة؛ لأنّها إذا رسخت في قلب امرىء تقليدا أطالت جرأته، واستغلق على أهل الجدل إفهامه.
وكان أحمد بن يوسف مأفونا، وهو أول من قرف بالآفة المخالفة لطبع الكتّاب.
واستقضى على ديوان الخراج والجند إبراهيم الحاسب، والحسن بن أبي المشرف. فلقن إبراهيم من سائر الآداب والعلوم علم الحساب فقط، ولم يفزع إليه في قضية ولا رأي حتّى هلك، فكان الذي وضعه وأدناه شرهه، وهي علّة قائمة في كتّاب الجند خاصة.
واستضعف ولاة الدواوين الحسن بن أبي المشرف عند قول الفضل [ابن] مروان له وهو على الوزارة: «يا حسن، احتجنا إلى رجل جزل في رأيه، متوّفر لأمانته، متصرّف في الأمور بتجربته، مستقدر على الأعمال بعلمه، تصف لنا مكانه، وتشير علينا به، فنقلّده جسيما من عملنا» . فأجابه سريعا قال: وجدته لك- أصلحك الله- كذلك. قال: من هو؟ قال: أنا. وألحّ عليه في قوله، فتبسّم الفضل وقال: هذا من غيرك فيك أحسن منك بلسانك لك، نعود وننظر إن شاء الله!














مصادر و المراجع :

١- الرسائل السياسية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید