المنشورات

اكثر الأمور عرضة لافشاء السر

وإفشاء السرّ إنما يوكّل بالخبر الرائع، والخطب الجليل، والدفين المغمور، والأشنع الأبلق، مثل سرّ الأديان لغلبة الهوى عليها، وتضاغن أهلها بالاختلاف والتضادّ، والولاية والعداوة. ومثل سرّ الملوك في كيد أعدائهم ومكنون شهواتهم ومستور تدبيراتهم، ثم من يليهم من العظماء والجلّة، لنفاسة الملوك على العوامّ، وأنّهم سماء مظلّة عليهم، أعينهم إليها سامية، وقلوبهم بها معلّقة، ورغباتهم ورهباتهم إليها مصروفة. ثم عداوات الإخوان، فإنّما صارت العداوة بعد المودّة أشدّ لاطّلاع الصديق على سرّ صديقه، وإحصائه معايبه، وربّما كان في حال الصّداقة يجمع عليه السّقطات ويحصى العيوب، ويحتفظ بالرّقاع، إرصادا ليوم النّبوة، وإعدادا لحال الصّريمة.
وقد شكا بعض الملوك تنقيب العوامّ عن أسرار الملوك فقال:
ما يريد الناس منّا ... ما ينام الناس عنّا
لو سكنّا باطن الأر ... ض لكانوا حيث كنّا
إنما همّهم أن ... ينشروا ما قد دفّنا
ولم نرى حبّ الطعن على الملوك، والتجسّس على أخبارهم، وعشق نشر المعايب، واستحلال الغيبة، ظاهرا في طباع الناس لا يكاد ينجو منه أحد منهم إلّا من رجح حلمه وعظمت مروءته، وظهر سؤدده، واشتدّ ورعه، حتى قال بعضهم: «الغيبة فاكهة النّسّاك» .
ورووا عن بعضهم أنه قال: «الفاسق لا غيبة له» .
وقال آخر: «أترعون من ذكر الفاسق؟ اذكروه يعرفه الناس» .














مصادر و المراجع :

١- الرسائل الأدبية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1423 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید