المنشورات
عواقب الحسد
منه تتولد العداوة، وهو سبب كلّ قطيعة، ومنتج كلّ وحشة، ومفرّق كلّ جماعة، وقاطع كلّ رحم بين الأقرباء، ومحدث التفرّق بين القرناء، وملقح الشرّ بين الخلطاء، يكمن في الصدر كمون النّار في الحجر.
ولو لم يدخل على الحاسد بعد تراكم الغموم على قلبه، واستكمان الحزن في جوفه، وكثرة مضضه ووسواس ضميره، وتنغّص عمره وكدر نفسه وكد عيشه، إلّا استصغاره نعمة الله عليه، وسخطه على سيّده بما أفاد غيره، وتمنّيه عليه أن يوجع في هبته إيّاه، وأن لا يرزق أحدا سواه، لكان عند ذوي العقول مرحوما، وكان لديهم في القياس مظلوما. [وقد قال بعض الأعراب: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحساد: نفس دائم، وقلب هائم، وحزن لازم] والحاسد مخذول وموزور، والمحسود محبوب ومنصور.
والحاسد مغموم ومهجور، والمحسود مغشيّ ومزور.
والحسد- رحملك الله- أول خطيئة ظهرت في السّموات، وأوّل معصية حدثت في الأرض، خصّ به أفضل الملائكة فعصى ربّه، وقايسه في خلقه، واستكبر عليه فقال: خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ*
، فلعنه وجعله إبليسا، وأنزله من جواره بعد أن كان أنيسا، وشوّه خلقه تشويها، وموّه على نبيّه تمويها نسي به عزم ربّه، فواقع الخطيئة، فارتدع المحسود وتاب عليه وهدى، ومضى اللعين الحاسد في حسده فشقي وغوى.
وأما في الأرض فابنا آدم حيث قتل أحدهما أخاه، فعصى ربّه وأثكل أباه. وبالحسد طوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين.
لقد حمله الحسد على غاية القسوة، وبلغ [به] أقصى حدود العقوق، فأنساه من رحمه جميع الحقوق، إذ ألقى الحجر عليه شادخا وأصبح عليه نادما صارخا.
مصادر و المراجع :
١- الرسائل الأدبية
المؤلف: عمرو بن
بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى:
255هـ)
الناشر: دار
ومكتبة الهلال، بيروت
الطبعة: الثانية،
1423 هـ
29 مايو 2024
تعليقات (0)