المنشورات

الجنة حيث لا حسد

ورأيت الله جل جلاله ذكر الجنّة في كتابه فحلّاها بأحسن حلية، وزيّنها بأحسن زينة، وجعلها دار أوليائه ومحلّ أنبيائه، ففيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فذكر في كتابه ما منّ به عليهم من السّرور والكرامة عندما دخلوها وبوّأها لهم فقال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ. وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ. لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ.
فما أنزلهم دار كرامته إلّا بعد ما نزع الغلّ والحسد من قلوبهم، فتهنّوا بالجنّة، وقابلوا إخوانهم على السّرر، وتلذّذوا بالنظر في مقابلة الوجوه لسلامة صدورهم. ونزع الغلّ من قلوبهم. ولو لم ينزع ذلك من صدورهم ويخرجه من قلوبهم، لافتقدوا لذاذة الجنّة، وتدابروا وتقاطعوا وتحاسدوا، وواقعوا الخطيئة، ولمسّهم فيها النّصب، وأعقبوا منها الخروج، لأنّه عزّ وجلّ فضّل بينهم في المنازل، ورفع درجات بعضهم فوق بعض في الكرامات، وسنيّ العطيات.
قلمّا نزع الغلّ والحسد من قلوبهم ظنّ أدناهم منزلة فيها، وأقربهم بدخول الجنّة عهدا، أنّه أفضلهم منزلة، وأكرمهم درجة، وأوسعهم دارا بسلامة قلبه، ونزع الغلّ من صدره، فقرّت عينه وطاب أكله. ولو كان غير ذلك لصاروا إلى التنغيص في النظر بالعيون، والاهتمام بالقلوب، ولحدثت العيوب والذّنوب.













مصادر و المراجع :

١- الرسائل الأدبية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1423 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید