المنشورات
الخصيان
وذكرت الخصيان وحسن قدودهم، ونعمة أبشارهم، والتلذّذ بهم، وأنّ ذلك شيء لا تعرفه الأوائل، فألجاتنا إلى أن نصف ما في الخصيان وإن لم يكن لذلك معنى في كتابنا، إذ كنّا إنما نقول في الجواري والغلمان.
والخصيّ- رحمك الله- في الجملة ممثّل به، ليس برجل ولا امرأة، وأخلاقه مقسّمة بين أخلاق النساء وأخلاق الصّبيان، وفيه من العيوب التي لو كانت في حوراء كان حقيقا أن يزهد فيها منه؛ لأن الخصيّ سريع التبدّل والتنقّل من حدّ البضاضة وملاسة الجلد، وصفاء اللّون ورقّته، وكثرة الماء وبريقه، إلى التكسّر والجمود والكمود، والتقبّض والتجمّد والتحدّب، وإلى الهزال وسوء الحال. لأنّك ترى الخصيّ وكأنّ السيوف تلمع في وجهه، وكأنه مرآة صينيّة، وكأنّه جمّارة، وكأنّه قضيب فضّة قد مسّه ذهب، وكأنّ في وجناته الورد. فإن مرض مرضة، أو طعن في السنّ ذهب ذهابا لا يعود.
وقال بعض العلماء: إنّ الخصيّ إذا قطع ذلك العضو منه قويت شهوته، وقويت معدته، ولانت جلدته، وانجردت شعرته، وكثرت دمعته، واتّسعت فقحته، ويصير كالبغل الذي ليس هو حمارا ولا فرسا؛ لأنّه ليس برجل ولا امرأة. فهو مذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
ويعرض للخصيّ سرعة الدّمعة والغضب، وذلك من أخلاق النساء والصّبيان. ويعرض له حبّ النميمة وضيق الصّدر بما أودع من السّرّ.
ويعرض لهم البول في الفراش ولا سيّما إذا بات أحدهم ممتلئا من النّبيذ.
ومما ناله من الحسرة والأسف لما فاتهم من النّكاح مع شدّة حبّهم للنساء، أبغضوا الفحول أشدّ من تباغض الأعداء، فأبغضوا الفحول بغض الحاسد لذوي النّعمة.
وزعم بعض أهل التجربة من الشّيوخ المعمّرين أنّهم اعتبروا أعمار ضروب الناس فوجدوا [طول] أعمار الخصيان أعمّ من جميع أجناس الرجال، وأنهم لم يجدوا لذلك علّة إلّا عدم النّكاح. وكذلك طول أعمار البغال لقلة النّزو. ووجدوا أقل الأعمار أعمار العصافير؛ لكثرة سفادها.
ثم الخصيّ مع الرّجال امرأة، ومع النّساء رجل. وهو من النمائم والتحريش والإفساد بين المرء وزوجه، على ما ليس عليه أحد. وهذا من النّفاسة والحسد للفحول على النساء. ويعتريه إذا طعن في السنّ اعوجاج في أصابع اليد، والتواء في أصابع الرّجل.
ودخل بعض الملوك على أهله ومعه خصيّ فاستترت منه، فقال لها:
تستترين منه وإنما هو بمنزلة المرأة! فقالت: ألموضع المثلة به يحلّ له ما حرّم الله عليه.
مع أنّ في الخصيّ عيوبا يطول ذكرها.
ولولا خوف الملال والسآمة على الناظر في هذا الكتاب، لقلنا في الاحتجاج عليك بما لا يدفعه من كانت به مسكة عقل، أو له معرفة. وفيما قلنا ما أقنع وكفى. وبالله الثّقة.
مصادر و المراجع :
١- الرسائل الأدبية
المؤلف: عمرو بن
بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى:
255هـ)
الناشر: دار
ومكتبة الهلال، بيروت
الطبعة: الثانية،
1423 هـ
30 مايو 2024
تعليقات (0)