المنشورات

الاحتياط من العيب

فلما استتبّ لنا الفراغ مما أردنا من ذلك خطر ببالنا كثرة العيّابين من الجهّال بربّ العالمين، فلم نأمن أن يسرعوا بسفه رأيهم وخفّة أحلامهم إلى نقض كتابنا وتبديله، وتحريفه عن مواضعه، وإزالته عن أماكنه التي عليها رسمنا، وأن يقول كلّ امرىء منهم في ذلك على حاله، وبقدر هواه ورأيه، وموافقته ومخالفته، والميل في ذلك إلى بعض، والذمّ لطبقة والحمد لأخرى، فيهجّنوا كتابنا، ويلحقوا بنا ما ليس من شأننا.
وأحببنا أن نأخذ في ذلك بالحزم، وأن نحتاط فيه لأنفسنا ومن ضمّه كتابنا، ونبادر إلى تفريق نسخ منها وتصييرها في أيدي الثّقات والمستبصرين، الذين كانوا في هذا الشأن، ثم ختموا ذلك بالعزلة والتّوبة منه، كصالح بن أبي صالح، وكأحمد بن سلّام، وصالح مولى رشيدة.
ففعلنا ذلك وصيّرناه أمانة في أعناقهم، ونسخة باقية في أيديهم، ووثقنا بهم أمناء ومستودعين وحفظة غير مضيّعين ولا متّهمين. وعلمنا أنّهم لا يدعون صيانة ما استودعوا، وحفظ ما عليه ائتمنوا.
فإن شيب به شوب يخالفه، وأضيف إليه ما لا يلائمه، رجعنا إلى النّسخة المنصوبة، والأصول المخلّدة عند ذوي الأمانة والثّقة، واقتصرنا عليها، واستعلينا بها على المبطلين، ودفعنا بها إدغال المدغلين، وتحريف المحرّفين، وتزيّد المتزيّدين، إن شاء الله.
ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.












مصادر و المراجع :

١- الرسائل الأدبية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1423 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید