المنشورات

خطر قول «ما ترك الاول للآخر شيئا»

فصل منه: وقد قالوا: ليس ممّا يستعمل الناس كلمة أضرّ بالعلم والعلماء، ولا أضرّ بالخاصّة والعامّة، من قولهم: «ما ترك الأوّل للآخر شيئا» .
ولو استعمل النّاس معنى هذا الكلام فتركوا جميع التكلّف، ولم يتعاطوا إلّا مقدار ما كان في أيديهم لفقدوا علما جمّا ومرافق لا تحصى، ولكن أبى الله إلّا أن يقسم نعمه بين طبقات جميع عباده قسمة عدل، يعطى كلّ قرن وكلّ أمّة حصّتها ونصيبها؛ على تمام مراشد الدّين، وكمال مصالح الدنيا.
فهؤلاء ملوك فارس نزلوا على شاطىء الدّجلة، من دون الصّراة إلى فوق بغداد، في القصور والبساتين؛ وكانوا أصحاب نظر وفكر، واستخراج واستنباط، من لدن أزدشير بن بابك إلى فيروز بن يزدجرد.
وقبل ذلك ما نزلها ملوك الأشكان، بعد ملوك الأردوان.
فهل رأيتم أحدا اتّخذ حرّاقة، أو زلّالة، أو قاربا؟! وهل عرفوا الحنش مع حرّ البلاد ووقع السّموم؟!
وهل عرفوا الجمّازات لأسفارهم ومنتزهاتهم؟! وهل عرف فلّاحوهم الثّمار المطعّمة، وغراس النخل على الكردات المسطّرة؟.
وأين كانوا عن استخراج فوه العصفر؟ وأين كانوا عن تغليق الدّور والمدن، وإقامة ميل الحيطان والسّواري المائلة الرؤوس، الرفيعة السّموك المركّبة بعضها على بعض؟! وأين كانوا عن مراكب البحر في ممارسة العدو الذي في البحر، إن طارت البوارج أدركتها، وإن أكرهتها فاتتها بعد أن كان القوم أسرى في بلاد الهند، يتحكّمون عليهم ويتلعّبون بهم؟
وأين كانوا عن الرّمي بالنيران؟! نعم، وكانوا يتّخذون الأحصار وينفقون عليها الأموال، رجالهم دسم العمائم، وسخة القلانس، وكان الرّجل منهم إذا مرّ بالعطار، أو جلس إليه، فأراد كرامته دهن رأسه ولحيته، لا يحتشم من ذلك الكبير، وكان أهل البيت إذا طبخوا اللّحم غرفوا للجار والجارة غرفة غرفة.













مصادر و المراجع :

١- الرسائل الأدبية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1423 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید