المنشورات

الجاحظ يسأل ويمدح

: فصل منه: قد شاع الخبر وسار المثل بقولهم: «اطلبوا الحاجات من حسان الوجوه» .
فإن كان الوجه إنّما وقع على الوجه الذي فيه النّاظر والسامع، والشّامّ والذّائق، إذا كان حسنا جميلا، وعتيقا بهيّا، فوجهك الذي لا يخيل على أحد كماله، لا يخطيء حواله.
وإن كان ذكر الوجه: إنّما يقع على حسن وجه المطلب وجماله على جهة الرّغبة، وإن كان ذلك على طريق المثل، وعلى سبيل اللفظ المشتقّ من اللفظ، والفرع المأخوذ من الأصل، فوجه المطلب إليك أفضل الوجوه وأسناها، وأصونها وأرضاها. وهو المنهج الفسيح والمتجر الرّبيح، وجمياله ظاهر، ونفعه حاضر، وخيره غامر، إلّا أنّ الله تعالى قرنه مع ذلك باليمن، وسهّله باليسر، وحبّبه بالبشر الحسن، ودعا إليه بلين الخطاب، وأظهر في أسمائكم وأسماء آبائكم وفي كناكم وكنى إخوانكم، من برهان الفأل الحسن ونفى الطيرة السيّئة ما جمع لكم به صنوف الأمل، وصرف إليكم وجوه المطالب، فاجتمع فيكم تمام القوام وبراعة الجمال، والبشر عند اللّقاء، ولين الخطاب والكنف للخلطاء، وقلّة البذخ بالمرتبة الرّفيعة، والزّيادة في الإنصاف عند النعمة الحادثة. فجعل النّاس وعدكم من أكرم الوعد، وعقدكم من أوثق العقد، وإطماعكم من أصحّ الإنجاز. وعلموا أنّكم تؤيسون في مواضع اليأس، وتطمعون في مواضع الضّمان، وأنّ الأمور عندكم موزونة معدّلة، والأسباب مقدّرة محصّلة.
هذا مع الصّولة والتّصميم في موضع التّصميم.
والتقية أحزم، والصّفح إذا كان الصفح أكرم، والرّحمة لمن استرحم، والعقاب لمن صمّم.
ثم المعرفة بفرق ما بين اعتزام الغمر واعتزام المستبصر، وفصل ما بين اعتزام الشجاع والبطل، وبين إقدام الجاهل المتهوّر.
وقد علم الناس بما شاهدوه منكم، وعاينوه من تدبير، وعرفوه من تصرّف حالاتكم، أنّي لم أتزيّد لكم، ولم أتكلّف فيكم ما ليس عندكم.
وخير المديح ما وافق جمال الممدوح، وأصدق الصّفات ما شاكل مذهب الموصوف، وشهد له أهل العيان الظّاهر، والخبر المتظاهر. ومتى خالف هذه القضيّة وجانب الحقيقة، ضارّ المادح ولم ينفع الممدوح.
هذا إلى الثّبات على العهد، وإحكام العقد، مع الوفاء العجيب، والرّأي المصيب، وتمام ذلك وكماله، وسناء ذلك وبهائه، وكثرة الشّهود لكم، وإجماع النّاس على ذلك فيكم.













مصادر و المراجع :

١- الرسائل الأدبية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1423 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید