المنشورات

الممدوح يجمع الطارف والتليد

وقالوا في تأديب الولاة وتقديم تدبير الكفاة: «إذا أبردتم البريد فاجعلوه حسن الوجه، حسن الاسم» . فكيف إذا قارن حسن الوجه وحسن الاسم كرم الضّريبة، وشرف العرق.
وأعيان الأعراق الكريمة، والأخلاق الشريفة، إذا استجمعت هذا الاستجماع، وإقترنت هذا الاقتران، كان أتمّ للنّعمة، وأبرع للفضيلة وكانت الوسيلة إليها أسهل، والمأخذ نحوها أقرب، والأسباب أمتن.
فإذا انتظمت في هذا السّلك، وجمعها هذا النّظم، كان الذي يبرد البريد أولى بها من البريد، وكان مقوّم البلاد أحقّ بها من حاشيته الكفاة، إذ التأميل لا يجمع أوجه الصّواب، ولا يحصي مخارج الأسباب، ولا يظهر برهانه ويقوى سلطانه، حتّى يصيب المعدن. ولن يكون موضع الرّغبة معدنا إلّا بعد اشتماله على ترادف خصال الشّرف وبعد أن يتوافى إليه معاني الكرم بالأعراق الكريمة، والعادات الحسنة، على حادث يشهد لمتقادم، وطارف يدلّ على تالد.
فإذا كان الأمل يخبر بالحسب فالحسب ثاقب، والمجد راسخ. وإن كان الشّأن في صناعة الكلام وفي القدم والرّياسة، وفي خلف يأثره عن سلف، وآخر يلقاه عن أوّل، فلكم ما لا يذهب عنه جاحد، ولا يستطيع جحده معاند.
فصل منه: وأسماؤكم وكناكم بين فرج ونجح، وبين سلامة وفضل، ووجوهكم وفق أسمائكم، وأخلاقكم وفق أعراقكم، لم يضرب التفاوت فيكم بنصيب.
وبعد هذا فإنّي أستغفر الله من تفريطي في حقوقكم، وأستوهبه طول رقدتي عما فرضته لكم.
ولا ضير إن كان هذا الذي قلنا على إخلاص وصحّة عهد، وعلى صدق سيرة وثبات عقد. ينبو السّيف وهو حسام، ويكبو الطّرف وهو جواد، وينسى الذّكور، ويغفل الفطن.
ونعوذ بالله تعالى من العمى بعد البصيرة، والحيرة بعد لزوم الجادّة.











مصادر و المراجع :

١- الرسائل الأدبية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1423 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید