المنشورات

اسئلة على الفراسة ومعرفة الغيب والرئي

جعلت فداك قد شاهدت الإنس مذ خلقوا، ورأيت الجن قبل أن يحجبوا، ووجدت الأشياء بنفسك خالصة وممزوجة وأغفالا وموسومة وسالمة ومدخولة، فما تخفى عليك الحجة من الشبهة، ولا السقم من الصحة، ولا الممكن من الممتنع، ولا المستغلق من المستبهم، ولا النادر من البديع، ولا شبه الدليل من الدليل. وعرفت علامة الثقة من علامة الريبة، حتى صارت الأقسام عندك محصورة، والحدود محفوظة، والطبقات معلومة، والدنيا بحذافيرها مصورة، ووجدت السبب كما وجدت المسبب، وعرفت الاعتلال كما عرفت الإحتجاج، وشاهدت العلل وهي تولد والأسباب وهي تصنع، فعرفت المصنوع من المخلوق، والحقيقة من التمويه. فما تقول في الرئي وما تقول في الرؤيا، وما تقول في أكسير الكيمياء، وما تقول في كيموس الصنعة وما تقول في الزجر، وما تقول في الفراسة، وما تقول في الفأل، وما تقول في الطّيرة وما تقول في نمت الطلم؟ وما تقول في معنى البركة، وما تقول في النجوم، وما تقول في الخيلان، وما تقول في أسرار الكف، وما تقول في النظر في الأكتاف، وما تقول في قرض الفأرة، وما تقول في إلحاح الخنفساء، وما تقول في دوائر الرأس، وفي أوضاح الخيل، وفي النمس والسنور، وفي الديك الأفرق والسنور الأسود، وفي البول في النفق، وفي الإطلاع في عاديّ الآبار، وفي النوم بين البابين، وما تقول في التميمة وفي الرتيمة وفي تعليق كعب الأرنب، وفي حلى السليم، وفي البلايا والولايا، وما تقول في الهامّ والاستمطار بالسّلع والعشر، وما تقول في شق البرقع، وفي بدر الرداء، وفي كي الصحيح عن ذي العر، وفي فقء العين للسواف وفي نزع المسر للعارة، وما تقول في الآمر والناهي والمتربص، وفي النطيح والقعيد والسانح والبارح، وما تقول في وطء المقلات للقتلى، وفي دماء الملوك للكلبى، وما تقول في صرع الشيطان، وفي تلون الغيلان، وفي عزيف الجنان، وفي ظهور العمّار، وفي طاعتهم للعزائم، وفي رئي المأمور الحارثي وعتيبة بن الحارث اليربوعي وما فصل ما بين العراف والكاهن والحازي والمتبوع، وما تقول في تحول إبليس في صورة سراقة المدلجى وفي صورة الشيخ النجدي؟ وخبرني عن شنقناق وشيصبان. وعن سملقة وزوبعة، وعن المذهب والسعلاة وعن بركوير ودركاذاب، وأين كان مسحل شيطان الأعشى من عمرو شيطان المنخلّ.!؟
قد والله عافانا الله بك وابتلى، وأنعم بك وانتقم، فدحّا لمن زهد فيك وسقيا لمن رغب إليك وويل لمن جهل فضلك، بل الويل لمن أنكر فضلك.
إنك جعلت فداك كما لم تكن فكنت فكذا لا تكون بعد أن كنت، وكما زدت في الدهر الطويل فكذا تنقص في الدهر الطويل، إذ كل طويل فهو قصير، وكل متناه فهو قليل، فإياك أن تظن أنك قديم فتكفر، وإياك أن تنكر أنك محدث فتشرك، فان للشيطان في مثلك أطماعا لا يصيبها في سواك، ويجد فيك عللا لا يجدها في غيرك.
ولست جعلت فداك كابليس وقد تقدم الخبر في بقائه إلى انقضاء أمر العالم وفنائه، ولولا الخمر لما قدمته عليك ولا ساويته بك، وأنت أحق من عذر وأولى من ستر، ولو ظهر لي لما سألته كسؤالي إياك، ولما ناقلته الكلام كما قلتي لك، وإن كان في التجاذب مثلك فهو في النصيحة على خلافك، ولأنك إن منعت شيئا فمن طريق التأديب أو التقويم، وهو إن منع منع بالغش والإرصاد، وأنت على حال أشكل، ونحن نرجع إلى أصل ونلتقي إلى أب ويجمع بيننا دين.










مصادر و المراجع :

١- الرسائل الأدبية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1423 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید