المنشورات

محاسن المزاح

وأما ذكري القد والخرط والطول والعرض وما بيننا وبينك في ذلك من التنازع والتشاجر والتحاكم والتنافر، فإن الكلام قد يكون في لفظ الجد ومعناه معنى الهزل، كما يكون في لفظ الهزل ومعناه معنى الجد. ولو استعمل الناس الدّعابة في كل حال والجد في كل مقال وتركوا التسمح والتسهيل وعقدوا في كل دقيق وجليل لكان السفه صراحا خيرا لهم، والباطل محضا أردّ عليهم. ولكن لكل شيء قدر ولكل حال شكل. فالضحك في موضعه كالبكاء في موضعه. والتبسم في موضعه كالقطوب في موضعه، وكذلك المنع والبذل والعقاب والعفو وجميع القبض والبسط. فإن ذممنا المزاح ففيه لعمري ما يذم، وإن حمدناه ففيه ما يحمد. وفصل ما بينه وبين الجد أن الخطأ إلى المزاح أسرع وحاله بحال السخف أشبه، فأما أن يذم حتى يكون كالظلم وينفى حتى يصير كالغدر، فلا لأن المزاح مما يكون مرة قبيحا ومرة حسنا، والظلم لا يكون مرة قبيحا ومرة حسنا.













مصادر و المراجع :

١- الرسائل الأدبية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1423 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید