وهل يقدر الملهوف إلا غياثك؟ وهل لطلاب غرض سواك؟ وهل للغواني مثل غيرك؟ وهل للمادح رجز لا فيك وهل يحدو الحادي إلا بذكرك؟ فلولا أن يأخذ الواصف بنصيبه منك وبحصته من الصدق فيك، وبسهمه من الشكر لك، لكان الإطناب عندهم في وصفك لغوا، وكان تشقيق الكلام عجزا، ولكان تكلفه فضلا، ومن هذا الذي يضعه أن يكون دونك، أو يمتحن بالتسليم لك، أو يعد إقراره إحسانا وخضوعه إنصافا؟ وهل تقع الأبصار إلا عليك؟ وهل تصرف الإشارة إلا إليك؟ أم من الشبيه لك في منزلتك؟ ألست خلف الأخيار وبقية الأبرار؟ وأي أمرك ليس بغاية، وأي شيء منك ليس في النهاية؟ وهل فيك شيء يفوق شيئا أو يفوقه شيء أو يقال لو لم يكن كذا لكان أحسن أو لو كان كذا لكان أتم؟ وأين الحسن الخالص والجمال الفائق والملح المحض والحلاوة التي لا تستحيل والتمام الذي لا يحيل إلا فيك أو عندك أو لك أو معك، خالصة لك ومقصورة عليك، لا تليق إلا بك ولا تحسن إلا فيك، فلك منه الكل وللناس البعض، ولك الصافي وللناس المشوب؟! هذا سوى الغريب الذي لا نعرفه، والبديع الذي لا نبلغه، لا بل أين الحسن المصمت، والجمال المفرد، والقد العجيب، والكمال الغريب، والملح المنثور، والفضل المشهور إلا لك وفيك؟ وهل على ظهرها جميل حسيب أو عالم أريب إلا وظلك أكبر من شخصه، وظنك أكثر من علمه، وإسمك أفضل من معناه، وحكمك أثبت من نجواه، وصمتك أفضل من فحواه؟ وهل في الأرض حليم سواك، وهل أظلت الخضراء ذا لهجة أصدق منك، وهل حملت النساء أجل منك!
مصادر و المراجع :
١- الرسائل الأدبية
المؤلف: عمرو بن
بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى:
255هـ)
الناشر: دار
ومكتبة الهلال، بيروت
الطبعة: الثانية،
1423 هـ
تعليقات (0)