المنشورات

اسئلة على التذكر والنسيان

وخبرني جعلت فداك عن قولك في الشعر الذي ننشده في المنام مما لم نسمع بأجود منه في اليقظة، وعن الشعر الذي نخترعه عن مناقلة الكلام وموازنة الأمور وحال النوم، وحال الآفة والنقص وصاحبه مغمور أم شبيه بالمغمور ولا يجري عليه قلم ولا يلام ولا يشكر، ولم صرنا نتذكر الشيء المهم فلا نقدر عليه حتى ندعه فأيسنا منه أجمع ما نكون أنفسا وأحسن ما نكون تذكرا، ثم يعارضنا ويخطر على بالنا في حال سهر أو في حال نوم وأغنى ما نكون عنه وأقل ما نكون احتفالا به، ولم صرنا ننسى من القصيدة بيتا أو آية من جميع السورة أو كلمة من جميع كلام الخطبة، ولم صار البلغم بالباء أولى منه بالتاء، ولم كانت المرّة السوداء بالجيم أولى منها بالحاء، وكذلك القلب المانع من الحفظ. وهل بد للحقيقة من خصائص أسباب وأعيان علل؟ وإلا فقد يجوز أن تنسى هذه القصيدة بدل تلك، ولم صار بعض الناس أحفظ للنسب وبعضهم أحفظ للاسناد، وبعضهم أحفظ للمعاني، وبعضهم أحفظ للالفاظ. ولم صرنا لا ننسى السباحة وبالاكتساب عرفناها والعادة أن المكتسب قد ينسى ويجهل، وأن الضروريات لا تجهل. وقل لي لم لم تضرب السامري، ولم لم تعض ماني وتمضه، ولم لم تبزق في وجه فرعون. أم إن الطبيعة التي هيبتك من هشام بن خلف بن قواله الكناني حين قال على رأس النعمان وأنت رجل يمان هي التي منعتك من أن تبزق في وجه فرعون وأنت سمعته يقول: «وما رب العالمين» ؟ ولم أزعم أنك رجل يمان لولادة لك في قحطان، كيف وأنت أقدم من قحطان ومعد بن عدنان، ومن القرون التي خبر الله عن كثرتها وعن آبائها وأجدادها! ولكنك منهم بالهوى والنصرة، ولأنهم كانوا لك أحشاما وصنيعة.
وقل لم صار جميع الحيوان يسبح إلا الانسان والقرد والعقرب والفرس الأعسر؟ وأي شيء عندك في آصف، وفي سفر آدم، وفي جراب موسى، وفي درسب، وفي شنلة، وفي كتاب الأسماء، وفي قولهم دعا فلان باسم الله الاعظم، وما تقول في ابن عقيب، وفي أشج بن عمرو، وفي شعيب وصالح، وفي السفياني، وفي الأصفر القحطاني.












مصادر و المراجع :

١- الرسائل الأدبية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1423 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید