المنشورات

اسئلة على السحر والشيطان

جعلت فداك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كاد البيان أن يكون سحرا» وقال: «إن من البيان لسحرا» وقال عمر بن عبد العزيز وسمع رجلا يتكلم بكلام بليغ عجيب لطيف رقيق: هذا والله السحر الحلال. وقال الناس لذي المكر والخلابة ولذي الرفق والتأتي: ما هو إلا ساحر، وقد سحر بكلامه. وقالوا للمرأة: ساحرة العينين. وقد ذكر الله السحرة في القرآن وأخبر عن هاروت وماروت وخبر عن النفاثات في العقد. وقال الناس: لهو أقبح من السحر. إذا أرادوا نفس المعنى المشبه به والمعنى المحصول عليه والسحر نفسه. وما الذي اشتقت منه هذه الأمثال؟ ولم تجدهم أبقاك الله سموا كهان العرب سحرة، ولا العرّاف ساحرا، ولا الحازي، ولا صاحب الطّرق، ولا من كان معه رئيّ، ولا من ادعى تابعة من لدن عمرو بن لحيّ إلى يومنا هذا.
وما قاله [الساحر] اذا عقد عقدا أو دفن صورة بالأندلس لرجل بفرغانة وإذا صور شمعتين وخرطهما على مثال إنسانين ودفنهما وخبأ مكانهما وقابل بين وجوههما تقابلا بالمودة، وإن دابر بينهما تدابرا بالعداوة. وقل لي من يتولى هذا له ومن يقوم له به ومن يتطوع به عليه، فإن قلت الشيطان، فلم فعل هذا له وأول شيطنته أن لا يطيع من هو فوقه، فإن قلت: بالعزائم التي لا ترد والأيمان التي لا تدفع، فقد عزم الله عليه بالقرآن والتوراة والانجيل فلم يجده يحفل بذلك ولا يرى له قدرا ولا يكترث له ولا يراه سببا. وأخبرني ما هذه العزيمة التي إذا سمع بها أجاب، وإذا ظهرت له أناب، ومن أين عرف الإنسان هذه العزيمة، ومن أين وقع عليها، ومن له بها، أهو صنعها أم صنعت له فإن يكن الشيطان هو الذي ابتدأه بها فقد ابتدأه إذا بتعريف العزيمة قبل أن يعزم عليه، وقد تطوع بأعظم الأمور، فما الذي يحوجه الى العزيمة في أصغرها، فقل في هذا. وإن زعمت أن العازم صاحبه دون الشيطان، والعازم مسلم وإن كان مسلما ولذلك أجاب العزيمة وعظم الإخلاف، فلم يخبل له الأصحاء ويقتل المرضى ولم يحبّب ويبغض، ولم يفرق بين المرء وأهله، وبين الولد البارّ وأمه، ولم يجتلب العفائف إلى الزناة، ولم يعذب ويقتل؟ وهذا متناقض.











مصادر و المراجع :

١- الرسائل الأدبية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1423 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید