المنشورات

لأحد الأعراب

وقال أعرابي - أحسبه تميمياً -:
وداهيةٍ بها القوم مفلق ... شديد بعوران الكلام أزومها
أصخت لها حتى إذا ما وعيتها ... رميت بأخرى يستدير أميمها
ترى القوم منها مطرقين كأنما ... تساقوا عقاراٌ لايبل سليمها
فلم تلقني فهاً، ولم تلق حجتي ... ملجلجةً أبغي لهل من يقيمها
قوله: "وداهية" يعني حجة داهي بها القوم مفلقٌ: يريد عجيبة، والفلق وجاء القوم بالفليق، وهذا مشهور كثير في الكلام، ومنه قول خلف الأحمر:
موت الإمام فلقةٌ من الفلق
وأنشدني منشد:
إذا عرضت دويةٌ مدلهمةٌ1 ... وغرد حاديها عملن بنا فلقا2
بفتح الفاء.
وقوله: "شديد بعوران الكلام"، العوراء هي القبيحة، قال حاتم بن عبد الله الطائي:
وعوراء قد أعرضت عنها فلم تضر ... وذي أودٍ قومته فتقوما
وأزومها: إمساكها1، يقال: أزم به إذا عض به فأمسكه بين ثنيتيه. وفي الحديث أن أبا بكر رحمه الله قال في يوم أحدٍ: فنظرت إلى حلقةٍ من درع قد نشبت في جبين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.، فانكببت لأنزعها فأقسم علي أبو عبيدة، فأزم بها أبو عبيدة بثنيتيه، فجذبها جذباً رفيقاً، فانتزعها، وسقطت، ثم نظرت إلى أخرى فأردتها فأقسم علي أبو عبيدة، ففعل فيها ما فعل في الأولى، وكان مشفقاً من تحريكها لئلا يؤذي بذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان أبو عبيدة أهتم.
وقوله: "فأزم بها"، يقال: أزم يأزم، وأزم يأزم.
وقوله: "أصخت لها": يقول استمعت لها، قال العبدي2:
يصيخ للنبأة أسماعه ... إصاخة الناشد للمنشد
والإصاخة الا ستماع والناشد: الطالب، والمنشد: المعرف، يقال نشدت الضالة إذا طلبتها، وأنشدتها: إذا عرفتها والنبأة: الصوت، قال ذو الرمة:
وقد توجس ركزاً مقفرٌ ندسٌ ... بنبأة الصوت ما في سمعه كذب3
وقوله: حتى إذا ما وعيتها يقول: جمعتها في سمعي، يقال: وعيت العلم، وأوعيت المتاع في الوعاء، قال الله عز وجل: {وَجَمَعَ فَأَوْعَى} 4، وقال الشاعر5:
الخير يبقى وإن طال الزمان به ... والشر أخبث ما أوعيت من زاد
وقوله:
رميت بأخرى يستدير أميمها يريد يستدير، من الدوار، ويقال في هذا المعنى: يستديم، ومنه سميت الدوامة1، وفي الحديث: "كره البول في الماء الدائم": لأنه كالمستدير في موضعه.، قال جرير:
عوى الشعراء بعضهم لبعضٍ ... علي فقد أصابهم انتقام
إذا أرسلت صاعقةً عليهم ... رأوا أخرى تحرق فاستداموا2
وقوله:" أميمها" يريد بها، ويقال: أميمٌ ومأموم، كقولك: قتيلٌ ومقتولٌ، ومجروح وجريح، ويقال،: للشجة التي قد وصلت إلى أم الدماغ وأم الدماغ جليدةٌ رقيقة تحيط بالدماغ فإذا وصل إلى تلك فالشجة آمة ومأمومة، قال الشاعر:
يحج مأمومة في قعرها لجفٌ ... فاست الطبيب قذاها كالمغاريد3
المغاريد: صغار الكمأة.
وقوله: "في قعرها لجف" أي تقلع، يقال: تلجفت البئر، إذا انقلع طيها من أسفلها، ولجف القوم مكيالهم، إذا وسعوه من أسفله.
وقوله: "تساقوا عقاراً" يريد: كأنهم سكارى لما نالهم من تلك الحجة والعقار: أسم من أسماء الخمر، وإنما سميت عقاراً لمعاقرتها الدن.
وقوله: "ما يبل" يقال: بل أبل من مرضه، وكذلك استبل.
والسليم الملسوع، وقيل له سليم على جهة التفاؤل، كما يقال للمهلكة مفازةٌ، وللغراب: الأعور على الطيرة منه لصحة بصره.
وقوله: "فلم تلقني فهاً" يقول: ضعيفاً، يقال: فه فلان عن حجته إذا ضعف عنها، ويقال: رجل مفهةٌ إذاكان عاجزاً.
وقوله: "ملجلجة"، وهو أن يرددها في فيه، وقد مضى تفسيره.













مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید