المنشورات

نبذ من أقوال الحكماء

وقال علي بن أبي طالب رحمه الله: يا ابن آدم، لا تحمل هم يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه، فإنه إن يعلم أنه من أجلك يأت فيه رزقك، واعلم أنك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك إلا كنت خازناً لغيرك فيه.
ويروى للنابغة1:
ولست بخابىْ ابداً طعاماً ... حذارغد، لكل غدٍ طعام
ويروى أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من كان آمناً في سربه 2، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، كان كمن حيزت له الدنيا بحذافيرها".
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "في سربه" يقول: في مسلكه، يقال: فلان واسع السرب وخلي السرب، يريد المسالك والمذاهب، وإنما هو مثل مضروب للصدر والقلب، يقال: خل سربه، أي: طريقه حتى يذهب حيث شاء، ويقال ذلك للإبل لانها تنسرب في الطرقات، ويقال: سرب علي الإبل، أي أرسلها شيئاً بعد شيىء فإذا قلت: سرب، بكسر السين، فإنما هو قطيع من ظباء، أبو بقر، أو شاء أو نساء، أو قطا. قال امرؤ القيس:
فعن لنا سرب كأن نعاجه ... عذارى دوار قي الملاء المذيل
دوار: نسك ينسكون عنده في الجاهلية ودوار ما استدار من الرمل، ودوار سجن اليمامة. قال بعض اللصوص3:
كانت منازلنا التي كنا بها ... شتى، فألف بيننا دوار
وقال عمر بن أبي ربيعة:
فلم ترعيني مثل سرب رأيته ... خرجنا علينا من زقاق ابن واقف4
وكان الحسن يقول: ليس العجب ممن عطب كيف عطب، إنما العجب ممن نجا كيف نجا.
وكان الحجاج بن يوسف يقول على المنبر: أيها الناس، اقدعوا هذه الأنفس. فإنما أسأل شيء إذا أعطيت، وأمنع شيء إذا سئلت، فرحم الله امرأ جعل لنفسه خطاماً وزماماً فقادها بخطامها إلى طاعة الله، وعطفها بزمامها عن معصية الله. فإني رأيت الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذابه.
قوله: "اقدعوا" يقال قدعته عن كذا: أي منعته عنه، ومنه قول الشماخ:
إذا ما استافهن ضربن منه ... مكان الرمح من أنف القدوع
قوله:" استافهن" يعني حماراً يستاف أتنا، يقول: يرمحنه إذا اشتمهن، والسوف: الشم.
وقوله:
مكان الرمح من أنف القدوع
يريد بالقدوع المقدوع، وهذا من الأضداد، يقال طريق ركوب إذا كان يركب، ورجل ركوب للدواب إذا كان يركبها، ويقال: ناقة رغوث إذا كانت ترضع، وحوار رغوث إذا كانت ترضع، ومثل هذا كثير، يقال: شاة حلوب إذا كانت تحلب، ورجل حلوب إذا كان يحلب الشاة، والقدوع ههنا: البعير الذي يقدع، وهو أن يريد الناقة الكريمة ولايكون كريماً، فيضرب أنفه بالرمح حتى يرجع، يقال: قدعته، وقدعت أنفه، ويروي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما خطب خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ذكر لورقة بن نوفل فقال: محمد بن عبد الله يخطب خديجة بنت خويلد الفحل لا يقدع أنفه.
وكان الحجاج يقول: إن امرأ أتت عليه ساعة من عمره لم يذكر فيه ربه، أو يستغفر من ذنبه، أو يفكر في معاده، لجدير أن تطول حسرته يوم القيامة.










مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید