المنشورات

عمارة بن عقيل حينما أمره أبو سعد التميمي أن يضع يده في يد أبي نصر الطائي

قال أبو العباس: وأنشدني عمارة لنفسه وسبب هذا الشعر الذي نذكره أن رجلا من بني تميم، يكنى أبا سعد، كان منقطعاٌ إلى أبي نصر بن حميد الطائي، ثم أحد بني نبهان، وكان أبو نصر والياً على العرب، وكتب أبو سعد إلى عمارة يأمره أن يضع يده في يد أبي نصر، فقال عمارة:
دعاني أبو سعدٍ وأهدى نصيحةٌ ... إلي، ومما أن تغر النصائح1
لأجزر لحمي كلب نبهان كالذي ... دعا القاسطي حتفه وهو نازح
أو البرمجي حين أهداه حينه ... لنار عليها موقدان وذابح
ورأي أبي سعدٍ وإن كان حازماً ... بصيراً وإن ضاقت عليه المسارح
أعار به ملعون نبهان سيفه ... على قومه، والقول عافٍ وجارح
ونصر الفتى في الحرب أعداء قومه ... على قومه للمرء ذي الطعم فاضح
قوله: "لأجزر لحمي كلب نبهان" أي لأكون جزرة له، والجزرة: البدنة تنحر، يقال أجزرت فلاناً، وتركت فلاناً جزراً، قال عنترة العبسي:
إن تشتما عرضي فإن أباكما ... جزر السباع وكل نسرٍ قشعم
وقوله:
...........
... كالذي دعا القاسطي حتفه وهو نازح فهذا الرجل من النمر بن قاسطٍ، خرج يبتغي قرطاً من بعدٍ، فنهشته حية فمات، وهو أحد القارظين. والقارظ الأول من عنزة، كان خرج مع ابن عم له في طلب القرظ، فقتله ابن عمه، لأنه كان يريد ابنته فمنعه منها، قال أبو خراش1 الهذلي:
وحتى يؤوب القارظان كلاهما ... وينشر في القتلى كليب لوائل
وقوله "كالذي دعا القاسطي حتفه" الهاء في حتفه ترجع على الذي وتقديره كالسبب الذي دعا القاسطي حتفه.
وقوله: "أبو البرمجي" فهذا الرجل من البراجم، وهم بنو مالك بن حنظلة كان عمرو بن هند لما قتل بني دارم بأوراة، وكان سبب ذلك أن أخاه أسعد بن المنذر وكان مسترضعاً في بني دارمٍ، في حجر حاجب بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم- انصرف ذات يوم من صيده وبه نبيذٌ، كما يعبث الملوك، فرماه رجل من بني دارم بسهم فقتله2. ففي ذلك يقول القائل، وهو عمرو بن ملقطٍ الطائي لعمرو بن هند:
فاقتل زرارة لا أرى ... في القوم أوفى من زرارة
فغزاهم عمرو بن هند، فقتلهم يوم القصيبة3 ويوم أوارة، ففي ذلك يقول الأعشى:
وتكون في الشرف المو ... زي منقراً وبني زرارة
أبناء قومٍ قتلوا ... يوم القصيبة والأوراة
ثم أقسم عمرو بن هند ليحرقن منهم مائة، فبذلك سمي محرقاً، فأخذ تسعة وتسعين رجلاً فقذهم في النار، ثم أراد أن يبر قسمه بعجوز منهم لتكمل بها العدة، فلما أمر بها قالت العجوز: ألا فتى يفدي هذه العجوز بنفسه1! ثم قالت: "هيهات صارت الفتيان حمماً"! ومر وافد البراجموهو الذي ذكرنا - فاشتم رائحة اللحم، فظن أن الملك يتخذ طعاماً، فعرج إليه فأتي به إليه، فقال له: من أنت? فقال: ابيت اللعن? أنا وافد البراجم، فقال: "إن الشقي وافد البراجم". ثم أمر به فقذف في النار، ففي ذلك يقول جرير يعير الفرزدق:
أين الذين بنار عمرو حرقوا ... أم أين أسعد فيكم المسترضع!
وقال أيضاً:
وأخزاكم عمرو كما قال قد خزيتم ... وأدرك عماراً شقي البراجم
وقال الطرماح:
ودارم قد قذفنا منهم مائةً ... في جاحم النار إذ ينزون بالخدد2
ينزون بالمشتوى منها ويوقدها ... عمرو، ولولا شحوم القوم لم تقد3
ولذلك عيرت بنو تميم بحب الطعام، يعني لطمع البرجمي في الأكل. قال يزيد بن عمرو بن الصعق أحد بني عمرو بن كلاب:
ألا أبلغ لديك بني تميم ... بآية ما يحبون الطعاما
وقال الأخر4:
إذا ما مات ميتٌ من تميم ... فسرك أن يعيشك فجىء بزاد
بخبر أو بتمر أو بلحم ... أو الشيء الملفف في البجاد5
تراه ينقب البطحاء حولاً ... ليأكل رأس لقمان بن عاد
وقوله: "للمرء ذي الطعم" يعني الراجع إلى عقل، يقال: ليس فلان بذي طعم، وفلان ليس بذي نزل، أي ليس بذي عقل ولا معرفة، وإنما يقال: هذا طعام ليس له نزل إذا لم يكن ذا ريع، ومن قال: "نزل "في هذا المعنى فقد أخطأ.















مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید