المنشورات

أقوال في المجالس والجلساء

قال أبو العباس: قال أبو إدريس الخولاني1: المساجد مجالس الكرام. وقيل للأحنف بن قيس أحد بني مرة بن عبيد بن الحارث بن كعب بن سعدٍ: أي المجالس أطيب? فقال: ما سافر فيه البصر، واتدع فيه البدن.
اتدع: افتعل من التوديع، والأصل "اوتدع" فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، وهذا القول مذهب أهل الحجاز يقولون: ايتزن ياتزن، وهو رجل موتزنٌ2، والأجود أن تقلب ماكان أصله الواو والياء في باب "افتعل" تاءً وتدغمها في التاء من "افتعل" فتقول: اتدع يتدع، وهو متدعٌ، ومتزن3 ومتعد من الوعد، ومتئس من اليأس، تكون الياء كاواو، لأنها إن أظهرت انقلبت على حركة ما قبلها فصارت كاواو، وتكونان واوين عند الضمة، نحو موعدٍ وموتعدٍ، ومؤنسٍ ومؤتئسٍ، وياءين للكسرة، والواو قد تقلب إلى تاء ولا تاء بعدها، نحو تراث من ورث، وتجاه من الوجه وتكأةٍ. وإنما ذلك كراهية الضمة في الواو، وأقرب حروف الزوائد والبدل منها التاء فقلبت إليها، وقد تقلب للبدل في غير ضم، نحو: هذا أتقى من هذا، وضربته حتى أتكأته4، فلما كانت بعدها تاء افتعل كان الوجه القلب ليقع الإدغام. وقد فسرنا هذا على غاية الاستقصاء في الكتاب "المقتضب".
وقيل للمهلب بن أبي صفرة: ما خير المجالس؟ فقال: ما بعد فيه مدى الطرف، وكثرت فيه فائدة الجليس.
ويروى عن لقمان الحكيم أنه قال لابنه: يا بني، إذا أتيت مجلس قوم فارمهم بسهم الإسلام ثم اجلس فإن أفاضوا في ذكر الله: فأجل سهمك مع سهامهم، وإن أفاضوا في غير فخلهم وانهض.
وقوله: "فارمهم بسهم الإسلام" يعني السلام. وقوله: "فأجل سهمك مع سهامهم"، يعني أدخل معهم في أمرهم، فضربه مثلاً، من دخول الرجل في قداح الميسر.
وقال وهب بن عبد مناف بن زهرة جد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمه:
وإذا أتيت جماعةٌ في مجلسٍ ... فاختر مجالسهم ولما تقعد
ودع الغواة الجاهلين وجهلهم ... وإلى الذين يذكرونك فاعمد
وقال ابن عباس رحمه الله: لجليسي علي ثلاثٌ: أن أرميه بطرفي إذا أقبل، وأوسع له إذا جلس وأصغي إليه إذا حدث.
وكان القعقاع بن شورٍ1، أحد بني عمرو بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل إذا جالسه جليسٌ فعرفه بالقصد إليه جعل له نصيباً في ماله وأعانه على عدوه، وشفع له في حاجته، وغدا إليه بعد المجالسة شاكراً له، حتى شهر بذلك. وفيه يقول القائل:
وكنت جليس قعقاع بن شور ... ولا يشقى بقعقاع جليس
ضحوك السن إن أمروا بخير ... وعند السوء مطراقٌ عبوس
وحدثني التوزي أن رجلاً جالس قوماً من بني مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، فأساؤوا عشرته، وسعوا به إلى معاوية، فقال:
شقيت بكم وكنت لكم جليساً ... فلست جليس قعقاع بن شور
ومن جهل أبو جهلٍ أخوكم ... غزا بدراً بمجمرةٍ وتور2
نسبه إلى التوضيع3، كقول عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف لحكيم بن حزام لما بلغه قول أبي جهل بن هشام: انتفخ والله سحره4 ونحره، سيعلم مصطر استه من انتفخ سحره اليوم!












مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید