المنشورات

الشباب والهرم

وقال النمر بن تولب1:
تدارك ما قبل الشباب وبعده ... حوادث أيام تمر وأغفل
يسر الفتى طول السلامة والبقا ... فكيف يرى طول السلامة يفعل
يرد الفتى اعتدال وصحةٍ ... بنوء إذا رام القيام ويحمل
قصر "البقاء" ضرورة، وللشاعر إذا اضطر أن يقصر المدود، وليس له أن يمد المقصور، وذلك أن الممدود قبل آخره ألف زائدة، فإذا احتاج حذفها لأنها ألف زائدة، فإذا حذفها رد الشيء إلى أصله، ولو مد المقصور لكان زائداً في الشيء ما ليس منه، قال الشاعر وهو يزيد بن عمرو بن الصعق:
فرغتم لتمرين السياط وأنتم ... يشن عليكم بالفنا كل مربع2
فقصر" الفناء" وهو ممدود. وقال الطرماح:
وأخرج أمه لسواس سلمى ... لمعفور الضرا ضرم الجنين
قوله: "وأخرج"، يعني رماداً، والأخرج الذي في لونه سواد وبياض، يقال: نعامة خرجاء.
وقوله: "لسواس سلمى"، فإن أجأ وسلمى جبلاً طيئ، وسواس سلمى: الموضع الذي بحضرة سلمى، يقال: هذا من سواس فلان ومن توس فلان: أي من طبعه. وأمه: يعني الشجرة التي هي أصله.
وقوله" لمعفور الضرا": فالضراء: ما واراك من شجرة خاصةً، والخمر ما واراك من شيء. والمعفور: يعني ما سقط من النار من الزند.
وقوله: "ضرم الجنين" يقول مشتعلٌ، والجنين: ما لم يظهر بعد، يقال للقبر جنن، والجنين: الذي في بطن أمه، والمجن: الترس لأنه يستر، والمجنون: المغطى العقل، وسمي الجن جناً لاختفائهم، وتسمى الدروع الجنن لأنها تستر من كان فيها. وقصر "الضراء" وهو ممدود، ومثل هذا كثير في الشعر جداً.
وقوله: "ينوء إذا رام القيام"، يقول: ينهض في تثاقلٍ، قال الله عز وجل: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} 1 والمعنى أن العصبة تنوء بالمفاتح، ولشرح هذا موضع آخر.
وقال آخر2:
أنوء ثلاثاً بعدهن قيامي
ويروى عن رسول اله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "كفى بالسلامة داء". وقال حميد بن ثور الهلالي:
أرى بصري قد رابني بعد صحةٍ ... وحسبك داء أن تصح وتسلما
ولا يلبث العصران يومٌ وليلةٌ ... إذا طلبا أن يدركا ما تيمما
وقال أبو حية النميري:
ألا حي من أجل الحبيب المغانيا ... لبسن البلى مما لبسن اللياليا
إذا ما تقاضى المرء يومٌ وليلةٌ ... تقاضاه شيءٌ لا يمل التقاضيا
وقال بعض شعراء الجاهلية3:
كانت قناتي لا تلين لغامر ... فألانها الإصباح والإمساء
ودعوت ربي في السلامة جاهداً ... ليصحني، فإذا السلامة داء
وقال عنترة بن شداد:
فما أوهى مراس الحرب ركني ... ولكن ما تقادم من زماني
ومن أمثال العرب إذا طال عمر الرجل أن يقولوا: "لقد أكل الدهر عليه وشرب"، إنما يريدون أنه أكل هو وشرب دهراً طويلاً، قال الجعدي:
أكل الدهر عليهم وشرب1
والعرب تقول: نهارك صائم، وليلك قائم، أي أنت قائم في هذا وصائم في ذاك، كما قال الله عز وجل: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} 2 والمعنى والله أعلم، بل مكركم في الليل والنهار، وقال جرير:
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ... ونمت، وما ليل المطي بنائم













مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید