المنشورات

أحنف بن قيس

ويروى عن الأحنف بن قيس أنه قال: وما شاتمت رجلاً، ولا زحمت ركبتاي ركبتيه، وإذا لم أصل مجتدي حتى ينتح جبينه عرقاً كما ينتح الحميت، فو الله ما وصلته.
قوله: "مجتدي" يريد الذي يأتيه يطلب فضله، يقال: اجتده يجتديه، واعتفاه يعتفيه، واعتراه يعتريه، واعتره يعتره، وعراه يعروه: إذا قصده يتعرض لنائله. وأصل ذلك مأخوذ من الجدا مقصور، وهو المطر العام النافع، يقال: أصابتنا مطرة كانت جداً على الأرض، فهذا الاسم، فإذا أردت المصدر، قلت: فلان كثير الجداء، ممدودة، كما تقول: كثير الغناء عنك، ممدودة، هذا المصدر، فإذا أردت الاسم الذي هو خلاف الفقر قلت: الغنى بكسر أوله وقصرت. قال خفاف بن ندبة يمدح أبا بكر الصديق رضي الله عنه:
ليس لشيء غير تقوى جداء ... وكل شيء عمره للفناء
إن أبا بكر هو الغيث إذ ... لم تشمل الأرض سحاب بماء
تالله لا يدرك أيامه ... ذو طرةٍ حاف ولا ذو حذاء
من يسع كي يدرك أيامه ... يجتهد الشد بأرضٍ فضاء
وهذا من طريف الشعر لأنه ممدود فهو بالمد الذي فيه من عروض السريع الأولى، وبيته في العروض:
أزمان سلمى لا يرى مثلها الرا ... ؤون في شام ولا في عراق
ثم نرجع إلى تأويل قول الأحنف.
قوله: "حتى ينتح جبينه عرقاً"، فهو مثل الرشح.
وحدثني أبو عثمان المازني في إسناد له ذكره قال: قال رؤبة بن العجاج: خرجت مع أبي نريد سليمان بن عبد الملك، فلما صرنا في الطريق أهدي لنا جنب من لحم عليه كرافىء الشحم، وخريطة من كمأة، ووطب من لبن، فطبخنا هذا بهذا، فما زالت ذفرياي1 تنتحان منه إلى أن رجعت.
وقوله: "الحميت"، فالحميت والزق، اسمان له، وإذا زفت أو كان مربوباً الوطب، وإذا لم يكن مربوباً ولا مزفتاً فهو سقاء ونحي، والوطب يكون للبن والسمن، والسقاء يكون للبن والماء. قالت هند بنت عتبة لأبي سفيان بن حرب لما رجع مسلماً من عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مكة في ليلة الفتح، فصاح: يامعشر قريش، ألا إني قد أسلمت فأسلموا، فإن محمداً قد أتاكم بما لا قبل لكم به فأخذت هند برأسه، وقالت: بئس طليعة القوم أنت والله ما خدشت خدشاً، يا أهل مكة، عليكم الحميت الدسم فاقتلوه.
وأما قول رؤبة: "كرافىء الشحم"، يريد طبقات الشحم. وأصل ذلك في السحاب إذا ركب بعضه بعضاً، يقال له: كرفئ، والجميع كرافىء.
قال أبو الحسن الأخفش: واحد الكرافىء كرفئة، وهاء التأنيث إذا جمعت جمع التكسير حذفت لأنها زائدة بمنزلة اسم ضم إلى اسم وأحسب أن أبا العباس لم يسمع الواحد من هذا فقاسه، والعرب تجترىء على حذف هاء التأنيث إذا احتاجت إلى ذلك، وليس هذا موضع حاجة إذا كانت قد استعملت الواحدة بالهاء، ونظير هذا قولهم: ما في السماء كرفئة، وما في السماء قذعملة وقذعميلة، وما في السماء طحربة وطحربة، وما في السماء قر طعبة، وما في السماء كنهورة، وهي القطعة من السحاب العظيمة كالجبل وما أشبه.












مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید